نور الدين عاشور الحملة الانتخابية هي بالتأكيد أول فرصة تتاح للأحزاب في تونس لكي تستعرض برامجها في سياق انتخاب المجلس الوطني التأسيسي.. ولئن اتسمت الأيام الأولى للحملة بكونها باهتة فإن بعض الأسباب تكمن وراء ذلك مع الإشارة دوما إلى أنه لا يجوز مقارنة تجارب أخرى بما تشهده تونس حاليا. فنحن بصدد أول تجربة تعددية منذ الاستقلال سواء على الصعيد العددي للأحزاب أو على صعيد القائمات الحزبية والمستقلة غير أن عامل الوقت حال دون تعريف الأحزاب بنفسها خاصة أن أغلبها حديث التأسيس كما أن تلك الأحزاب معنية بإيجاد تواصل مع الشعب حيث لا يمكنها أن تستمد الشعبية التي ترجوها في غياب التفاعل بين المواطنين ومختلف مكونات الساحة السياسية. ولعل انعدام الثقة بين رجل السياسة والمواطن يتطلب وقتا طويلا لكي تزول بصورة تدريجية بمرور الوقت وكلما برهنت الساحة السياسية على تمسك بجملة من المبادئ المتراوحة بين التشبث بالديمقراطية والاحترام المتبادل وبالأخلاق. وكان يفترض لكي تقيس الأحزاب مدى إشعاعها وجود عمليات سبر للآراء مثلما هو الشأن في الديمقراطيات الكبرى إلا أن قراءة الهيئة العليا للانتخابات بخصوص منع استطلاعات الرأي أثناء الحملة الانتخابية لم يقنع بقدر ما ألقى ظلالا على مصداقية المؤسسات التي تجري مثل كل الاستطلاعات وكذلك على حق التونسي في معرفة نوايا التصويت وتوجهات الرأي العام عموما والناخب بالتحديد. كما أن الاكتفاء بالخطابات الدعائية من شأنه أن يحول دون تفاعل بين صاحب الرسالة والمتلقي خصوصا أننا لم نخرج، سوى منذ أقل من عام، من عهد الوعود والمغالطة وتزييف الواقع والحقائق لذلك فإن أكبر تحد يواجه المترشحين أحزابا ومستقلين هو إضفاء المصداقية على خطاباتهم ومحاولة إيجاد قاسم مشترك بين المترشحين والناخبين. وإذا كانت جل الاهتمامات منصبة على معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية وعلى رأسها البطالة والاستثمار فإن هذه الحملة فرصة لكي يعتاد المترشحون وخصوصا الأحزاب على التعاطي بطريقة علمية مع تلك القضايا من خلال ما تعده من دراسات ومسح لجملة من القطاعات وإعداد قواعد بيانات خاصة بها وطرح حلول واقعية. مثل هذا التعامل سيظهر الفوارق والاختلاف في الطروحات وفي الحلول المطروحة وهي ما من شأنه إضفاء حركية على الحملة الانتخابية محورها الدوران في حلقة مفرغة.. لذلك لا بد من التميز.. والتميز لا يكون بالوعود الجوفاء أو الاتهامات للآخرين لكن ببرامج انتخابية مدروسة وقابلة للنقاش تستمد حيويتها من محتواها ومن مدى قربها من المشاغل اليومية. البرامج الانتخابية ليست بضاعة تعرض داخل سوق أو على قارعة الطريق لكن ذلك لا يحول دون العمل على تسويقها والتميز فيه.