«كونو أسخياء»... بهذا النداء توجه الرئيس الفرنسي في كلمته الافتتاحية أمس إلى عشرات الوفود الحاضرة في مؤتمر المانحين بباريس والذي يهدف إلى جمع المساعدات المالية للمساهمة في قيام دولة فلسطينية. ويأتي هذا الاجتماع الدولي بعد حوالي شهر من مؤتمر أنابوليس السياسي في مسعى دولي لتعزيز آمال تحقيق السّلام حيث تعهد آنذاك الإسرائيليون والفلسطينيون، بالعمل من أجل قيام دولة فلسطينية بحلول نهاية 2008. ولكن هل هذا الدعم المالي في صورة توفّره وهذه السيولة المتدفقة في حالة السخاء ستمكن لوحدها من تجاوز العقبات السياسية الكأداء لتحقيق السّلام المنشود على المدى المنظور؟ إنّ الكارثة الإنسانية التي ما فتئت تحدق بالأراضي الفلسطينية وخصوصا قطاع غزّة تتجاوز ملء الخزينة الفلسطينية بالأموال والتي يقدّرها الجانب الفلسطيني بحوالي 5 مليارات دولار ونصف المليار من أجل بناء اقتصاد قابل للحياة في دولة إنجازها مؤجل. إنّ الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الدقيقة من مسيرته النضالية ضدّ المحتل في حاجة متأكّدة إلى رصّ الصّفوف وتجاوز الخلافات الحادّة التي كادت تعصف به منذ اندلاع الأزمة السياسية والأمنية بين حركتي «فتح» و«حماس» والتي مازالت ظلالها القاتمة قائمة لحدّ اليوم. كما أنّ هذا الانشقاق الذي ألحق أضرارا فادحة بالقضية الفلسطينية يستدعي إنهاء حالة «الأمر الواقع» تمهيدا لحوار بناء ومسؤول بين الحركتين الفلسطينيتين الرئيسيتين. ثمّ إنّ الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في الضفة والقطاع والتي باتت تهدّد الآمال الدولية المعقودة على السّلام تستدعي بالإضافة إلى تجاوز حالة الإحتقان فلسطينيا مزيد الضغط على قوات الإحتلال لتلتزم بالنقاط الواردة في «خارطة الطريق» وتعهّداتها أثناء المؤتمرات الدولية المتتالية والتي كان آخرها مؤتمر أنابوليس اعتبارا إلى أنّ الأموال مهما كان حجمها وتدفقها سوف تكون بلا معنى وبلا جدوى إذا لم ترفع بشكل سريع حالة الحصار الاقتصادي المضروب على الأراضي الفلسطينية والعراقيل التي تقيّد حركة العمل بالإضافة إلى إعادة النشاط للمؤسسات الفلسطينية في القدس بعد أن شملها الحظر وإزالة المستوطنات ونقاط التفتيش وإعادة الحرّية لآلاف المعتقلين في سجون الإحتلال وفتح الطريق لعودة اللاجئين. لكن إسرائيل من جانبها لا تبدي حماسا كبيرا لتخفيف هذه القيود للتعبير عن التزامها الجدّي تجاه عملية السّلام بل - وبشكل استفزازي للأسرة الدولية - وافقت مؤخرا على خطط جديدة لتوسيع مستوطنات في القدسالشرقيةالمحتلة. وهذا الاستخفاف بالجهود الدولية لإحلال السّلام في المنطقة ما فتئت تجسّده على أرض الواقع بحملات الإغتيال والتصفية التي تكاد تكون يومية ضدّ ناشطين فلسطينيين. لقد وصف الرئيس الفرنسي ساركوزي مؤتمر الدّول المانحة بأنّه «نقطة تحوّل» في جهود السّلام في الشرق الأوسط... ولكن هذا التحوّل سيظل أعرجا رغم سخاء المجموعة الدولية طالما لم يقع البتّ في الجوانب السياسية المطروحة بين طرفي النزاع والتي تعتبر الأساس في بناء الدولة الفلسطينية القابلة للحياة. وفي هذا السياق فإنّ عديد المحلّلين يخشون من عدم استعداد واشنطن لانتهاج خط أكثر حزما مع الحكومة الإسرائيلية... وفي هذه الحالة سيصبح إحداث أي تغيير اقتصادي في الضفّة والقطاع أمرا فاقدا للجدوى في ظلّ حقائق الأرض الحالية.