تتويجا لجهود باحثين وجامعيين مهتمين بالقانون الدستوري، أصدرت وحدة البحث في القانون الدستوري والجبائي المغاربي بكلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة مؤخرا كتابا جديدا تحت عنوان «دراسات مغاربية» قدم له أستاذ القانون العام أحمد السوسي. ونقرأ في هذا الكتاب الوارد في 458 صفحة حصيلة الدراسات التي سبق وأن تم تقديمها خلال ندوتين علميتين نظمتهما وحدة البحث سالفة الذكر حول مسألتين رئيسيتين.. بحثت المسألة الأولى وفق ما ذهب إليه الأستاذ أحمد السوسي في الجذور التاريخية للحركة الدستورية المغاربية، وتطرقت المسألة الثانية لموضوع الانتخابات.. وحاول عدد من الجامعيين والمؤرخين والحقوقيين الذين شاركوا في الندوة العلمية الأولى دراسة الجوانب الفلسفية والتاريخية التي أدت إلى المطالبة بالدستور كإطار محدد للعلاقات بين الحاكم والمحكوم عوضا عن المؤسسات السياسية التي كانت موجودة قبل الاستعمار.. وخلصت ورقات العمل التي قدموها إلى إبراز القواعد العامة التي كرستها الدساتير المغاربية ومن هذه القواعد الحقوق والحريات وتطور شكل ممارسة السلطة وطرق إصدار الدساتير.. وبحثت دراسة للأستاذ جميل الصياح في جذور الحركة الدستورية ذات الصبغة الفكرية أو الايديولوجية بالرجوع للعلامة عبد الرحمان ابن خلدون والمصلحين في القرن التاسع عشر.. وحاولت التعرف على التجارب الدستورية من منطلق بروز الدولة والأخذ بالدساتير في البلدان المغاربية. وتطرقت دراسة أجراها الأستاذ مصطفى كريم إلى جذور الحركة الدستورية في تونس متناولة الإطار الدولي للإصلاحات الدستورية في القرن التاسع عشر ومؤكدة على أهمية المسألة الدستورية لدى زعماء الحركة الوطنية.. أما الأستاذ محمد العجمي فقط بحث في مسألة المؤسسات الدستورية ببلدان المغرب العربي بما هي حاجة ووسيلة لإرساء سلطة شرعية والنضال من أجل الاستقلال. وتطرق الأستاذ المنصف وناس للتجربة الدستورية في ليبيا واستند في بحثه على حوار أجراه مع الدكتور وهبي البوري مدير التشريفات الملكية ووزير الخارجية والبترول في الفترة الفاصلة بين 1951 و1969.. وبين الجامعي أن صياغة الدستور سبقت استقلال ليبيا بأيام قليلة وحرص الملك محمد ادريس المهدي السنوسي على تلازم إعلان الاستقلال مع إعلان الدستور.. وشهد هذا الدستور بعض التنقيحات ثم ألغي تماما سنة 1969 والذي أدى كما قال الباحث بالحرف الواحد إلى ما سمي بثورة الفاتح من سبتمبر وتم استبداله بالإعلان الدستوري لكن هذا الإعلان لم يعمل به ولم يكرس في الواقع. وتناولت دراسة أخرى للأستاذة جليلة بوزويتة مكانة الحقوق والحريات العامة في الدساتير المغاربية معتبرة أنها مضمونة من حيث المبدأ وتتمتع بحماية مازالت في بداية الطريق. وفي دراسة مشتركة بين الجامعيين خالد بن بلقاسم وسعاد موسى وتطرقا فيها إلى تفاعل الحركة الدستورية مع تحديات التنمية في البدان المغاربية خلال مرحلة بناء الدولة الوطنية وبينا أن هذا التفاعل أفضى الى انتاج دساتير لا تعدو أن تكون مجرد خطاب. يتمثل دوره في إضفاء المشروعية على الدولة الفعلية التي حافظت بشكل مواز على مرجعيتها السّلطوية التقليدية منقطعة بذلك على أسس الحركة الدستورية وأهدافها. ومن الدراسات الأخرى التي وردت في هذا الكتاب والحرية بالمطالعة واحدة بقلم الأستاذ منتصر الشريف وتطرق فيها لطرق إصدار الدساتير في بلدان المغرب العربي.
الانتخابات
بحث الجزء الثاني من كتاب دراسات دستورية مغاربية الصادر عن مركز النشر الجامعي موضوع الانتخابات في البدلان المغاربية.. ونقرأ فيه محاضرات تم تقديمها خلال ندوة علمية نظمتها وحدة البحث في القانون الدستوري والجبائي المغاربي سنة 2005 وطرحت مواضيع المواطنة بين الواجب العمومي والحق الشخصي وتحدث عنها الجامعي محمد بن حمودة وعلاقة الانتخابات بالمال العام والخاص وتحدث عنها الاستاذ أحمد السوسي الذي تطرق لتمويل الحملة الانتخابية من المال العمومي ودعا لضرورة تطوير التشريعات سواء تعلق الأمر بتقنين التمويل الخاص أو تطوير قواعد التمويل العمومي. وتحدثت الأستاذة إكرام بن عمر عن المواطن الناخب كمصدر للسيادة لا يمارسها مباشرة إلا استثنائيا عند دعوته للاستفتاء وانما يمارسها عن طريق الانتخاب لاختيار ممثليه الذين يباشرون السلطة نيابة عنه. فالانتخاب على حد تأكيدها هو من أعمق مقومات السيادة. وبحث الأستاذ توفيق الغناي موضوع الدائرة الانتخابية كإطار لممارسة الحق الانتخابي يؤثر بوضوح في نتائج الانتخاب ورسم التركيبة السياسية للمجالس النيابية لكن دوره ينتهي بالإعلان عن النتائج. وقدم الأستاذ عاطف صالح الرواتبي بحثا عنوانه «تطور فكرة التمثيل في تونس» وتضمن هذا البحث جزءا عنوانه خيار السلطة التأسيسية الأصلية : الانتخاب المباشر ووحدة التمثيل السياسي وجزءا آخر عنوانه الجديد في تعديل غرة جوان 2002 ادخال نظام الانتخاب غير المباشر وتنويع التمثيل السياسي. وتحدث الأستاذ عمر البوبكري عن الطريقة التي كانت تعتمد في انتخاب أعضاء مجلس النواب سابقا, وحاول الأستاذ المنصف وناس تقويم تجربة الانتخابات في ليبيا في عهد الملك السنوسي وعهد معمر القذافي وقدم الدكتور ادريس بوكرا أستاذ القانون الدستوري بالجزائر ورقة حول مراقبة الانتخابات الرئاسية في الجزائر. هذه حصيلة أولية لأعمال وحدة بحثية جامعية تنشط بكلية الحقوق بسوسة وتهتم بأسس الحركة الدستورية المغاربية والانتخابات في المغرب العربي. ولا شك أن هذا الكتاب سيكون مرجعا للمهتمين بالشأن السياسي.