بعيدا عن التعتيم والتهويم والغموض في المسرح، اعتمد صاحبا نص مسرحية «خويا ليبر» جمال المداني ومنير العرقي(مخرج هذا العمل) هذه المرة في المسرح البلدي مساء السبت الماضي أسلوبا مباشرا للتطرق للتطورات التي شهدتها بلادنا بعد14 جانفي وانعكاسها على الواقع الاجتماعي، فضلا عن كشف مسألة الانحلال الأخلاقي وتراجع القيم الإنسانية من خلال أسلوب هزلي ساخر. مسرحية من نوع «الوان مان شو «جسد فيها جمال المداني شخصية سائق تاكسي (نورا) مع تقمص شخصيات أخرى كانت تتردد على «التاكسيست». وهي شخصيات لكل منها رمزية، تحمل رسالة توعوية للتشبث بالاخلاق النبيلة والعلاقات العائلية والاجتماعية في زمن طغت عليه لغة المادة وتغلبت فيه النزعة الفردية على النزعة الاجتماعية. وقد أبدع المداني في هذا العرض بحضوره الركحي المتميز وتقاسيم وجهه التي تعبر في كل مرة بصورة عميقة عن الشخصية أو الوضعية التي يحاول تجسيدها على الركح. ولابد من الإقرار بأن الممثل كان يضع في أغلب فترات العمل إصبعه على الداء. المسرحية وإن كانت تعالج قضية تدني الأخلاق في المجتمع فإنها تعول على الحدث التارخي الذي عاشته بلادنا يوم 14جانفي لتغيير الأمور لكن نبقى في إطار نفس الأسلوب الهزلي الساخر وفي إطار الكوميديا الهادفة.
الصياغة جديدة أما سائق التاكسي فهو ذاته
ورغم أنه وقعت إعادة صياغة نص المسرحية التي حاولت مواكبة الأوضاع الراهنة، لاسيما أن النص القديم لا يمت لثورتنا بأي صلة، فإن شخصية سائق الاجرة حافظت على محوريتها مع ارتباط وثيق بالتغيرات التي عاشتها بلادنا وشعبنا. التغييرات التي طرأت على النص جعلت العمل ينخرط في الأحداث بقوة ذلك أن الاجنبي المتحدث عنه في النص السابق ونسيانه حقيبته، ما جعل «نورا» يعيش صراعا بين قوى الخير والشر دون أن يعلن قراره، أصبح «مافيوزيا» في النص الجديد يحاول تبييض أموال لصالح شخص من العائلة المالكة قبل 14جانفي وقد تعمد نسيان الحقيبة المليئة بالعملة الصعبة في سيارة الأجرة. سائق التاكسي في حُلّته الجديدة أصبح يضطلع بمهمة «نضاليّة» ليساعد مواطنين أُطلق عليهم الرصاص وينقذ آخرين من أطفال ونساء من خطر الموت. مسرحية خويا ليبر في صيغتها الجديدة تحاول أن تواكب الصفحة الجديدة التي فتحها التونسيون أمام أنفسهم من خلال ثورتهم الشعبية وذلك من خلال المنحى المتفائل الذي اتخذته. هناك أمل في أن هذه الثورة قد جاءت بكل عنفوانها لترسم آمالا كبيرة وتضع حدّا للانحطاط الفكري والأخلاقي الذي تفشى وساد لسنوات طويلة ما قبل الثورة.