بقلم: فريد بن بلقاسم لم تنته في تونس منذ تاريخ 14-01-2011 السجالات بين من يدعون إسلاميين ومن يدعون علمانيين، وما تكاد تضع حرب الكلام وما يتبعها من ممارسات عنف متبادلة لفظية ورمزية ومادية بينهما أوزارها حتى تعود لتنشب من جديد وقد اشتد سعيرها. وقد تتالت الأحداث التي خرجت فيها قطاعات من الشعب التونسي لا للتنديد بما تعتبره مسا بالمقدسات الإسلامية فقط ولا للتعبير عن الغضب مما تراه استفزازا للمشاعر الدينية فحسب وإنما لتكفير من تصدر عنهم هذه الممارسات أيضا وما ينجر عن التكفير من سعي لإقامة الحد عليهم وهو ما يعني لا ممارسة العنف المادي على المخالفين في الرأي وهو الإرهاب فقط وإنما يعني القيام بدور الله سبحانه وتعالى واستباق يوم القيامة اليوم الذي جعله سبحانه يوما للحساب جزاء وعقابا أيضا. وقد يذهب الظن ببعض أولئك الذين يحسبون أنفسهم ممثلي الدين الحق وأتباع الإسلام الصحيح أنهم يدافعون عن الدين ويذودون عن مقدساته ممن يكنون له العداء بل قد يعتبرون ذلك جهادا في سبيل الله. ولكنهم في رأينا يخطئون من حيث يعلمون أو من حيث لا يعلمون : - أولا في حق الله سبحانه وتعالى الذي اختص وحده بمحاسبة الناس على علاقتهم به فهو وحده القادر على تمييز المؤمن من المنافق من الكافر، وهو أيضا ليس في حاجة إلى البشر بل هم في حاجة إليه فهو غني عنهم وعن أعمالهم لا تزيده في شيء ولا تنقصه في شيء أليس هو القائل : ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين.العنكبوت 29-6. - ثانيا في حق الدين فيشوهون قيمه السمحة ومبادئه النيرة في حرية المعتقد والضمير وحق الاختلاف والتي تؤكدها الآية: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...الكهف 18-29.والآية : ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. هود 11-118. - ويسيئون ثالثا للثورة التونسية التي قامت من أجل مبادئ وقيم أجمع حولها التونسيون على اختلاف مشاربهم الفكرية وخلفياتهم الايديولوجية ولعل قيمة الحرية أهمها لأن الجميع كان في حاجة إليها وعبارة الجميع هنا لها أبعاد سياسية واجتماعية وفكرية وثقافية. والنظام السابق لم يقمع ذوي الميولات الدينية فحسب بل استهدف بقمعه كل من فكر من داخل القيم الحداثية تفكيرا جديا وخالفه بالتالي سياسته وأفكاره، فكانت الحرية حاجة ومطلبا للجميع لا لفئة على حساب أخرى وحق أي طرف في الحرية هو نفسه حق الأطراف الأخرى. فللجميع الحق في عرض أفكارهم والدفاع عنها بنفس القدر مهما كانت مخالفة وللآخرين حق الاعتراض عليها، ولكن يجب أن يتم ذلك وفق قواعد أهمها الاحترام وتجنب العنف وليس لأحد أن يعتبر نفسه ممثلا لكل الشعب ويضع نفسه مدافعا عن هويته الجريحة ومقدساته المستهدفة. والدعوة هنا ملحة للحفاظ على نعمة الحرية ونعيمها لا بالتخلي عن حق التعبير عن أفكارنا ولا بالتنازل عنها وإنما باحترام قواعدها وآدابها بتجنب الممارسات العنفية أساسا. وإن ذلك مسؤولية الجميع ولتكن من أوكد مهام المجلس التأسيسي القادم أثناء صياغته الدستور المرتقب أن يبحث في سبل ضمان الحرية للجميع بأقدار متساوية وعلى قواعد متينة وإذا فشلنا في ذلك فقد نكون فتحنا الباب لعودة الاستبداد مرة أخرى، ويا خيبة المسعى !