نور الدين عاشور لئن أفرزت الحملة الانتخابية جملة من ردود الفعل والملاحظات تخص المحتوى أو تتعلق بالجوانب الشكلية فإن المعطى الهام الذي يمكن استشفافه هو أن الشارع التونسي والناخبين على وجه التحديد وجدوا أنفسهم أمام تخمة من الاجتماعات والرسائل وما تضمنته من وعود متشابهة وتصورات مستنسخة. هذا الكم سيجعل الناخب بالتأكيد مشوش الأفكار وربما اعترته الحيرة،ليس مصادفة أن يسألك البعض عمن يستحسن التصويت له وعن الشخصية المؤهلة لتولي رئاسة البلاد..وبقطع النظر عن بعض الخلط في الأذهان تستفز مثل هذه الأسئلة من أول وهلة لأنها عكست من سوء الحظ- تغلب التخمة على طاقة استيعاب المواطن وحالت الأسئلة التي ظلت عالقة بذهنه دون قدرته على الحوصلة والاستنتاج ثم اتخاذ القرار. قد يجد الكثيرون عذرا لهذه التخمة غير أنه يخشى أن تؤِدي الريبة والحذر الشديد والتخوف التي قد تنجر عنها إلى انتهاج سلوك انتخابي يفضل المقاطعة أو يضع الجميع في سلة واحدة،وهو ما من شأنه أن يفوت فرصة إقامة أسس البناء الديمقراطي. ألا يؤدي تشابه البرامج والطروحات وأشكال الوعود ومحتواها إلى عزوف البعض عن المشاركة في الاقتراع؟ ما مدى درجة تصديق الناخب يا ترى ل"المدينة الفاضلة" التي يعد بها المترشحون؟ هل إلمام الحملات الانتخابية للقائمات المترشحة عبر البيانات والتصريحات بكل صغيرة وكبيرة في شؤون المواطن دليل على المصداقية وعلى وجود رغبة حقيقية في التطوع لخدمة الشأن العام؟ جملة من الأسئلة تخامر بالتأكيد الأذهان،تشتت تفكيرهم، وتعسر عملية اتخاذ قرار لديهم عند التصويت..لكن في خضم هذا نجد أحزابا كبرى وقد ضمنت مسبقا أصوات ناخبين بعد أن سكنت عقولهم طيلة سنوات بفعل رواسب أو انتماءات ايديولوجية أو الدعاية عبر نصيحة أو إجابة عن سؤال من فصيلة " أنا في حيرة، فمن انتخب؟" على أية حال مهما كانت درجة التخمة التي أصابتنا في الحملة الانتخابية.. ومهما كانت كمية الوعود وشموليتها لطموحات المواطن فإن ما ستفرزه صناديق الإقتراع سيصبح الحقيقة الوحيدة التي يتعين التسليم بها، لأنها بالتأكيد ستعكس إرادة شعبية يتعين احترامها، وبالتالي الرضوخ لها.