الرسائل الاسرائيلية المعادية لجهود السلام لا تتوقف بل هي مستمرة لتنسف كل خطوة في هذا الاتجاه وهي رسائل لا تخفى على ذهن المتتبع للشأن الفلسطيني المثير للكثير من المخاوف والهواجس المشروعة والتي تؤشر الى احتمال اقدام قوات الاحتلال الاسرائيلي على عمل عسكري موسع يستهدف قطاع غزة المحاصر منذ اشهر. ولاشك انه في حال صدقت التوقعات واقدمت سلطات الاحتلال على اجتياح غزة مستغلة انصراف العالم للاحتفال باعياد الميلاد فان النتائج ستكون على درجة من الخطورة التي يصعب تحديد انعكاساتها في الوقت الراهن والارجح ان موجة العنف هذه المرة لن تكون كسابقاتها ذلك ان المحاولات العقيمة لعزل غزة وتجويع اهلها والامعان في اهانتهم لا يمكن الا ان يؤدي الى عكس ما اريد لها من وراء هذا الخيار الذي اكد افلاسه، فقد اثبتت التجارب ان العنف لا يمكن ان يولد غير العنف وان استنزاف الدماء والارواح لا يمكن ان يقابل الى ما لا نهاية بالصمت والقبول والاستسلام... وكما حصل بعد مؤتمر مدريد وبعد اتفاقات اوسلو وكامب دايفيد وغيرها فقد اختارت اسرائيل هذه المرة مجددا ان تجعل من مؤتمر انابوليس فرصة اخرى مع الفشل واليأس وان تجعل من مؤتمر باريس موعدا اخر لنسف الاحلام ووأدها واجهاض كل بذرة من بذور السلام في مهدها. ففي نفس الوقت الذي كان فيه قادة العالم المجتمعون في باريس على هامش مؤتمر الدول المانحة يقفون لالتقاط الصور التذكارية ولتبادل التهاني على سخاء وكرم المجموعة الدولية التي تجاوزت حدود الخمسة مليار دولار التي طلبتها السلطة الفلسطينية لاصلاح الاقتصاد وبناء اسس الدولة الفلسطينية المرتقبة كانت الالية العسكرية تواصل صولاتها وجولاتها في غزة المحاصرة وتستبق احتفالات عيد الاضحى باستهداف عشرة من النشطاء الفلسطينيين في اقل من اربع وعشرين ساعة لتزيد بذلك في عمق النزيف الذي ينخر جسد غزة ويضاعف آلام اهلها. لقد تعددت التقارير والتحذيرات التي سبقت مؤتمر باريس للدول المانحة بشان الوضع المأساوي والمتدهور في غزة وشكلت صرخة فزع مدوية لا تزال تبحث عن اذان صاغية لها وكان ابرز تلك التقارير على الاطلاق ما ذهب اليه تقرير اللجنة الدولية للصليب الاحمر من توقعات وسيناريوهات مرعبة في القطاع حيث اقرت في تقرير غير مسبوق بان الاجراءات التي تفرضها اسرائيل في غزة تترك لأهلها ما يكفي فقط للبقاء على قيد الحياة لكن ليس فيها ما يمكنهم من عيش حياة عادية وكريمة بما حول الفلسطينيين فعلا الى رهائن بشرية قابلة لكل انواع الابتزاز وهو ما يؤكد مرة اخرى انه اذا كانت المساعدات المالية والانسانية ضرورية بالنسبة للفلسطينيين ولا غنى عنها في ظل الاحتلال فان الاكيد ان المال وحده لا يكفي لاحياء السلام وان الخطر كل الخطر ان تتحول هكذا مساعدات الى ذرائع لاسكات الصوت الفلسطيني عن المطالبة بحقوقه المشروعة وتأجيل الحل السياسي المطلوب لقضيته الى ما لانهاية...