في قراءة أولية للنتائج والإحصائيات المقدمة من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات اول امس تبين الضعف الواضح لليسار التونسي الذي دخل الانتخابات بعقلية مشتتة منذ بدايتها حيث كان من المفترض أن يكون العمل في اطار جبهة سياسية مشتركة كان اولها جبهة 14 جانفي. وبالعودة إلى المقاعد التي تحصلت عليها الاحزاب اليسارية والتي دخلت الانتخابات بصفتها الحزبية على غرار قائمة البديل الثوري التي دعمها حزب العمال الشيوعي التونسي وقائمات حركة الديقراطيين الاشتراكيين التي دخلت الانتخابات منقسمة بين الطيب المحسني واحمد الخصخوصي وقائمات الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمل الوطني الديمقراطي وحزب اليسار الحديث والحزب الشعبي للحرية والتقدم وحركة الوحدة الشعبية بالاضافة إلى اليسار الايكولوجي والذي يمثله مصطفى الزيتوني فان هذه الاحزاب وغيرها من اليسار التونسي لم تتحصل سوى على7 مقاعد اي بمعدل 2.47 بالمائة من المجموع العام.
اسئلة مطروحة
وقد اثارت هذه النتائج الهزيلة عدة اسئلة في الاوساط اليسارية والامكانيات المتاحة لاعادة تشكيل الصفوف والاعداد الجيد لانتخابات التشريعية القادمة. وفي تشخيصها للواقع اليساري في تونس وفي ردها عن الاسباب المباشرة لهذا السقوط المدوي لليسار في انتخابات المجلس التاسيسي رغم انه كان اول المنادين باحداثه فقد اتفقت مصادر سياسية أن ظاهرة التشرذم والانقسامات المتوالية اصبحت الميزة الاساسية لليسار مما حولها إلى ظاهرة عامة. وقد ازدادت هذه الظاهرة وضوحا نتيجة انسداد قنوات الديمقراطية داخل الأحزاب اليسارية فكانت النتيجة المباشرة سوى الانقسام والبحث عن بداية جديدة في أشكال أخرى وهو ما تظهره الاعداد المرتفعة لاحزاب اليسار. كما بينت ذات المصادر أن معظم قوى اليسار في تونس قد تهربت من الإجابة عن تساؤلات مفصلية تراوحت بين الإصلاح المنتظر وثورة 14 جانفي حيث اكتفت جل الأحزاب بالحديث عن التكامل بين المفهومين واخذ موقع الرافض فحسب أما عن تنوع أشكال النضال وأساليبه فلم تكن هناك إجابات واضحة عن دور الديمقراطية في تحقيق البرنامج "الثوري" واثرائه والاقتصارعلى رفض تواجد البوليس السياسي وحل التجمع وهي مقولات عرفت طريقها إلى الجمهور خلال فترة زمنية معينة ولم تعد بعد ذلك قادرة على اضفاء البعد الشعبي على اليسار في تونس. واعتبرت ذات المصادر أن من الاسباب المباشرة لهذه الهزيمة عقدة الزعامة التي تغلب كثيرا على عقول " الزعماء الرفاق" فغالبًا ما يصور كل حزب أنه بإمكانه أن ينمو "نموًا ذاتيًا" بفضل صحة مُدّعاة لخطه السياسي الأمر الذي سيجبر الآخرين على الالتحاق به. كما كان الحضور المتواتر والاصرار على الظهور الاعلامي لعدد من الشخصيات اليسارية قد ادى بالناخب إلى الملل منها وتكوين فكرة مسبقة عنهم دون التعرف إلى البرامج الانتخابية وهو ما دعا إلى حكم مسبق وتقييم خاطئ في كثير من الاحيان. ولم تنف ذات المصادر العامل الايديواوجي الذي لعب دورا مميزا في الفصل بين هذه الاحزاب وغيرها من الاحزاب سيما منها ذات المرجعية الدينية.