بقلم: آسيا العتروس إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي أوكامبو عن وجود قنوات اتصال غير مباشرة مع سيف القذافي لترتيب هروبه واستسلامه للعدالة الدولية من شأنه أن يعكس عدة حقائق مرتبطة بالمشهد الليبي، وأولها أن نجل القذافي الذي كان حتى وقت قريب يكابر ويهزأ بالشعب الليبي ويستبيح دمه وعرضه وماله قد بدأ ينزل من عليائه ويتخلى عن جنون العظمة الذي ورثه عن والده ويعود الى الامر الواقع ويحاول بالتالي تجنب المصير المأساوي الذي آل اليه القذافي بعد اثنين وأربعين عاما في حكم ليبيا المطلق بكل ما يحمله ذلك في طياته من رسائل واضحة بأن لكل مستبد نهاية... وأما الحقيقة الثانية فهي أن الشعب الليبي قد يكون أمام فرصة تاريخية لمحاكمة علنية عادلة وموضوعية تكشف بعض من أسرار وملفات كثيرة من حق الشعب الليبي أن يتطلع عليها ويستعيد معها ما يمكن استعادته من حقوق منهوبة وأموال مسلوبة لا سيما وأن الامر يتعلق بأكبر أبناء القذافي سنا وأكثرهم حضورا وتاثيرا في المشهد السياسي الليبي قبل امتداد الربيع العربي اليه،كل ذلك بالاضافة الى أنه كان يدير الى جانب والده العقيد عديد الملفات الامنية والمشاريع الاستثمارية الكبيرة ويتولى ادارة أغلب الصفقات النفطية وصفقات السلاح مع الغرب الذي كان يعتبره سفير القذافي للاصلاح قبل أن يكشف عن وجهه الحقيقي ويبدا استعراض عضلاته العسكرية في مواجهة مطالب الشعب الليبي المشروعة في الكرامة والحرية... طبعا سيكون من الغباء الاعتقاد بأن توجه سيف القذافي الى هكذا خيار ناجم عن احساس بالذنب أو اقرار بالندم أو عن قناعة بأن العدالة يجب أن تأخذ مجراها تماما كما حدث خلال محاكمات نورمبورغ وطوكيو في اعقاب الحرب العالمية الثانية أو كما حدث في يوغسلافيا السابقة ورواندا فالارجح أن مفهوم العدالة والانصاف لا مكان له في قاموس نجل القذافي ولكنه الخوف الذي فتح عينيه على الواقع فأدرك معه أن السبيل الوحيد لانقاذ حياته يمرعبرمحكمة لاهاي التي يسعى للاحتماء بها... أما ما نقله المدعي العام عن سيف الاسلام من محاولات للترويج بشأن براءته المزعومة ونقاوة يديه من الجرائم المنسوبة له في حق الشعب الليبي فلا يمكن الا أن تكون استغاثة الغريق وهو يحاول يائسا التعلق بقشة النجاة،والارجح أن ما سعى اليه سيف القذافي حتى الان ليس سوى استباقا للاحداث وخطوة باتجاه استعطاف أهالي الضحايا الذين رفض انصافهم من قبل،الا أن كل هذه المحاولات وحتى غيرها لا يمكن أن تخفي الحالة النفسية المثيرة للشفقة في كثير من جوانبها لنجل العقيد وهوالذي يعيش متخفيا حالة من الرعب والتخبط بعد أن ضاق من حوله الخناق وأدرك أن لا منقذ له من المصير الذي انتهى اليه ملك ملوك افريقيا واثنين من ابنائه الا باللجوء الى مظلة المحكمة الجنائية لحمايته من مصير محتوم... قبل أيام فقط كان مجرد تخيل هذا الموقف من جانب سيف القذافي يبدو ضربا من المستحيل وهو الذي لم يتوان وحتى اللحظات الاخيرة التي سبقت نهاية والده في دفع الليبيين الى مزيد الاقتتال واراقة الدماء ومزيد الخسائر البشرية والمادية... اذا نجح سيف القذافي في الوصول الى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي وحظي بالتالي بمحاكمة عادلة فانه يكون بذلك قد حظي بما كان نظام العقيد ينكره على ضحاياه ومعارضيه في الرأي طوال أربعين عاما من الظلم والاستبداد سواء أولئك الذين لقوا حتفهم في زنزانات أبو سليم أوالذين سقطوا على مدى الاشهر الثمانية التي سبقت نهاية القذافي كل الذين نفى عليهم حقهم في محاكمة عادلة وفق المبدأ المتداول بأن كل متهم بريئ حتى تثبت ادانته وهو المبدأ الذي لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أو أي محكمة أن تحيد عنه أو تتجاهله في مقاضاة نجل العقيد عندما ينتقل اليها...