تفتح جريدتكم "الصباح" بداية من اليوم ملف شهداء وجرحى الثورة الذين سقطوا في الفترة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 بولايات إقليمتونس الأربع (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) وولايات سوسة وبنزرت ونابل وزغوان بنيران قوات الأمن الداخلي.. من خلال الكشف عن حقائق وأسرار، بعضها كشف سابقا والبعض الآخر يكشف لأول مرة، حول ما حدث في تلك الفترة واعترافات المتهمين من الكوادر الأمنية العليا للبلاد وشهادات إطارات أمنية وعسكرية عليا. وستكون البداية بنشر اعترافات علي السرياطي مدير الأمن الرئاسي في عهد المخلوع. إعداد: صابر المكشر
علي السرياطي أمام التحقيق العسكري نظام القذافي زود «بوليس» المخلوع ب 1500 قنبلة «كريموجان» يوم 13 جانفي
وزارة الداخلية لا تملك زمن الثورة سوى 50 خرطوشة مطاطية 100 عون من وحدات التدخل «تنكروا» في أزياء الحرس الوطني بتالةوالقصرين؟!
علمت "الصباح" من مصادر حقوقية مطلعة أن حاكم التحقيق العسكري بالمحكمة العسكرية بتونس وجه تهمة المشاركة في القتل العمد مع سابقية القصد والمشاركة في محاولة القتل العمد مع سابقية القصد لأمير اللواء مدير عام امن رئيس الدولة السابق والشخصيات الرسمية علي السرياطي في إحدى القضايا التحقيقية المتعلقة بمقتل وإصابة عدد من المحتجين في الفترة الممتدة بين 17 ديسمبر و14 جانفي 2011 بولايات تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة وبنزرت وزغوان ونابل وسوسة رغم ان المتهم أنكر ما نسب إليه. وقال السرياطي في اعترافاته في هذه القضية التي شملت الأبحاث فيها المخلوع وعددا من الإطارات الامنية وأعوان الأمن أن عمله يتمثل في الإشراف على إدارة المصالح المختصة وإدارة المصالح المشتركة أي حماية الرئيس والشخصيات الرسمية الأجنبية ناكرا كل ما نسب إليه من تهم تتعلق بالقتل او محاولة القتل مؤكدا أنه لم يتواجد على الميدان بالمرة أثناء الحركة الاحتجاجية الشعبية ما بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 ولم يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين أو يشارك في ذلك بأي وجه كان كما لم يعط أية تعليمات في الغرض سواء كان ذلك مباشرة أو عبر قاعة العمليات المركزية بوزارة الداخلية ملاحظا أن أعوان الأمن التابعين لمصالح رئاسة الجمهورية لم يشاركوا بالمرة في التصدي للمتظاهرين المحتجين بأي مكان من الجمهورية باعتبار وأن ذلك ليس من اختصاصهم أو صلاحياتهم.
"مهمة ترفيهية" مع المخلوع
وأضاف السرياطي أنه كان في الفترة المتراوحة بين 23 و28 ديسمبر 2010 في مهمة بالخارج حيث اصطحبه المخلوع الى دبي أين قضى هذا الأخير عطلة مع أفراد عائلته وقد تلقى مكالمة هاتفية بتاريخ 25 او 26 ديسمبر 2010 من وزير الداخلية السابق رفيق القاسمي (شهر رفيق الحاج قاسم) الذي طلب منه إعلام المخلوع بسقوط ثلاثة قتلى تقريبا من بين المتظاهرين بالرصاص الحي بولاية سيدي بوزيد وبإعلام هذا الأخير بذلك طلب منه مخاطبة الفريق أول رشيد عمار هاتفيا وأبلغه تعليمات رئيس الدولة السابق بإعداد بعض الوحدات كاحتياط لإمكانية الاستعانة بها في صورة تطور الأمور نحو الأسوإ، مشيرا انه اقترح على المخلوع العودة الى أرض الوطن ولكنه رفض ذلك ذاكرا له بأنه سيقع تفسير عودته بخوفه من الحركة الاحتجاجية بالبلاد لذلك أتم عطلته وعاد إلى أرض الوطن مساء يوم 28 ديسمبر 2010.
حضور الاجتماعات الامنية "تحت الطلب"
ولاحظ المتهم علي السرياطي أنه حضر بعض الاجتماعات الأمنية بمقر وزارة الداخلية بتعليمات من المخلوع في إطار اللجنة الوطنية لمجابهة الكوارث والمخاطر المتكونة من قيادات الجيش الوطني والقيادات الأمنية العليا لقوات الأمن الداخلي التي يشرف عليها وزير الداخلية السابق في تلك الفترة وقد اقتصر دوره على التنسيق بين رئاسة الجمهورية ووزارتي الداخلية والدفاع الوطني وقد عقدت تلك اللجنة ثلاثة اجتماعات في فترة الاحتجاجات الشعبية أيام 9 و11 و12 جانفي 2011 تمحورت حول النظر في سبل تركيز وحدات الجيش الوطني لتأمين مقرات السيادة والنقاط الحساسة بالبلاد حسب مخطط معد مسبقا للغرض دون أن يقع النظر في تركيز وحدات الأمن الداخلي بمناطق الاحتجاجات الشعبية بما أن ذلك يرجع بالنظر للقيادات الأمنية بوزارة الداخلية وقد اجتمعت تلك اللجنة بصفة متأخرة باعتبار وأن رئيس الدولة السابق لم يأذن باجتماعها لاعتقاده بأن ما يحصل بالبلاد أمور بسيطة وعرضية. وقد طالب السرياطي خلال تلك الاجتماعات بضرورة توفير شاحنات مجهزة بخراطيم المياه وباقتناء الغاز المسيل للدموع لاستعمالها للتصدي للمتظاهرين وذكر انه اتصل شخصيا بالسلط الليبية لذلك الغرض ووقع تمكين وزارة الداخلية من ألف وخمسمائة قنبلة مسيلة للدموع "كريموجان" يوم 13 جانفي 2011 كما طلب من المدير العام للأمن الوطني السابق عادل التويري ضرورة استعمال الرصاص المطاطي في تفريق المتظاهرين غير أنه أكد له بأنه يوجد لدى مصالح وزارة الداخلية 50 خرطوشة فقط فاستغرب من ذلك الأمر نظرا للعدد الضئيل جدا لتلك النوعية من الذخيرة كما تدخل شخصيا لتوفير وسائل نقل إضافية لأعوان قوات الأمن الداخلي لتسهيل تنقلاتهم وانتشارهم على الميدان وكل ذلك يساعد تقنيا على التخفيف من وطأة الأحداث والتخفيض من عدد القتلى بالرصاص الحي دون أن يعلم إن كانت مساعيه تلك قد حققت النتائج المرجوة منها أم لا.
وحدات التدخل "تتنكر" في أزياء الحرس
وأضاف علي السرياطي أنه وبالنظر لتذمر متساكني تالةوالقصرين من أعوان وحدات التدخل لتسببهم في سقوط ضحايا من بين الأهالي فقد أعطى المخلوع تعليمات بتغيير تمركز وحدات التدخل بالمكان وأثناء أحد الاجتماعات الأمنية بوزارة الداخلية تم طرح مقترح لا يتذكر من قدمه تمثل في تمكين أعوان وحدات التدخل بالمكان من أزياء للحرس الوطني لارتدائها على ان تكون بها علامة مميزة للحرس الوطني، مشيرا إلى انه وبقرار جماعي تمت المصادقة على اعتماد ذلك المقترح على أساس بقاء أعوان التدخل المرتدين لزي الحرس بثكنة القصرين دون أن يعلم ما حصل بعد ذلك كما لا يعلم إن وقع تنفيذ ذلك المقترح أم لا خاصة وأن قيادات الجيش في شخص الفريق أول رشيد عمار وافقت على اعتماده.
إخلاء بعض مراكز الأمن
هذا وفي نطاق سعي أعضاء اللجنة المذكورة للتقليص من عدد الضحايا من بين المحتجين وتلافي المصادمات بين أعوان الأمن أو الحرس أو وحدات التدخل ذكر السرياطي في اعترافاته أمام حاكم التحقيق العسكري أنه تم إخلاء بعض المراكز فعليا وتأمين الأسلحة بها سواء لدى الجيش أو لدى مناطق الأمن وأقاليمها حتى لا تقع تلك الأسلحة بين أيادي المحتجين ويقع ما لا يحمد عقباه كما تم التأكيد على حث أعوان الأمن على استعمال مضخمات الصوت لتنبيه المتظاهرين والمحتجين غير أن قرارات اللجنة لم تأت أكلها على أرض الواقع باعتبار أنها بدأت في عقد اجتماعاتها بصفة متأخرة ولم تسمح الظروف بتطبيق مخططاتها المعدة مسبقا لمثل تلك الحالات.
حول خطابات المخلوع
وأكد علي السرياطي أنه لم يشارك في إعداد الخطاب الأول الذي ألقاه المخلوع والذي ذكر فيه بأنه سيتم التصدي بكل حزم للمتظاهرين غير أنه اقترح عليه اعتماد حلول سياسية لمعالجة الحركة الاحتجاجية الشعبية دون الاقتصار على الحلول الأمنية ولكنه لم يستمع الى نصائحه وفي صبيحة يوم 13 جانفي 2011 اقترح عليه بأن يلقي خطابا للشعب التونسي باللهجة التونسية يتضمن أربع أفكار رئيسية أولها بأن يأمر بوقف إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وبأن يتعهد بمحاسبة المتسببين في الفساد بمن فيهم أفراد عائلته وأن يعمل على تحرير وسائل الإعلام والأنترنات وإطلاق الحريات العامة مع إعلان عدم ترشحه للانتخابات المقررة سنة 2014. وقد وافق المخلوع على كامل تلك المقترحات باستثناء محاسبة الفاسدين من أفراد عائلته. وذكر السرياطي أنه طلب أيضا من محمد صخر الماطري صهر المخلوع إلغاء صفقة شراء حصص من شركة تونيزيانا بقيمة 900 مليار لكنه رفض بتعلة أن ذلك سيوفر عملة صعبة للبلاد كما نبّه المخلوع بأنه تم تمكين ولاية سيدي بوزيد من خمسين مليارا في حين انتفع صهره المذكور بتسعمائة مليار وبأن ذلك سيكون له تأثير لدى الرأي العام التونسي وبدافع الوطنية الخالصة -حسب ما جاء باعترافاته- أعلم رئيس الدولة السابق بمسائل الفساد والتجاوزات الصادرة عن أفراد عائلته وأصهاره لكنه لم يستمع إليه وذلك ما جعل زوجة هذا الأخير تحقد عليه وتكن له عداوة.
القناصة
أما بخصوص القناصة الذين أشيع تواجدهم ببعض مناطق الجمهورية فقد أكد المجيب أنه لا يعلم بذلك الموضوع ملاحظا أن الوحدات التابعة لوزارة الداخلية والتي يوجد بها فرق قناصة تجيد فن الرماية فهي تابعة للحرس الوطني ورئاسة الجمهورية ووحدات التدخل. المكشر
قال له حرفيا «أقتل واحد وإلا 2.. ها توه يشدوا بقايعهم..» السرياطي أعطى تعليمات يوم 14 جانفي للمدير العام السابق للسجون بإطلاق النار على مساجين برج الرومي
في سياق متصل علمت "الصباح" ان السلط القضائية العسكرية المباشرة للتحقيق في قضية الحال وباطلاعها على نسخة المستخرجات النصية المتعلقة بجهاز تسجيل المكالمات الهاتفية التابع لرئاسة الجمهورية والشخصيات الرسمية نوع «ATIS» الذي يقوم بتسجيل جميع المكالمات الهاتفية الصادرة والواردة على رئاسة الجمهورية يتضح بالصفحات 16 و17 و18 منها (المستخرجات النصية) أنها تحتوي على نص مكالمة هاتفية دارت يوم 14 جانفي 2011 بين نور الدين الشعباني المدير العام السابق للسجون والإصلاح وعلي السرياطي المدير العام السابق لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية وقد كان الشعباني هو الذي طلب من السرياطي عبر "عون بدالة" هاتف رئاسة الجمهورية وبمجرد تمرير المكالمة له على الساعة الواحدة وثلاث وأربعين دقيقة ظهرا بادر المدير العام السابق للسجون والإصلاح بإعلام مخاطبه بأن سجن برج الرومي يشهد تحركا واحتجاجا من قبل المساجين الذين أحدثوا ثقبا بأحد الجدران قصد الفرار وقد ردّ عليه علي السرياطي الذي استفسره حول الأعوان وعناصر التعزيز المتواجدة على عين المكان سائلا إياه إن كان يوجد لديه سلاح فردّ عليه نورالدين الشعباني بالإيجاب عندئذ أكد له علي السرياطي بأنه يجب إطلاق النار على المساجين وقتل البعض منهم حتى يخاف البقية ويوقفوا احتجاجاتهم بقوله له حرفيا «أقتل واحد والا 2... هاتوا يشدوا بقايعهم.. أكهو اللعب لا.. il faut tirer tirer». وقد انتهت المكالمة بين الطرفين على الساعة الواحدة وخمس وأربعين دقيقة من يوم 14 جانفي 2011. ومن خلال هذه المكالمة يكتشف ان السرياطي أعطى تعليمات للمدير العام السابق للسجون والإصلاح بإطلاق النار على النزلاء بالسجن المدني برج الرومي ببنزرت وهو عكس ما كان قد اعترف به اثناء التحقيق معه من كونه "لم يعط أية تعليمات في الغرض سواء كان ذلك مباشرة أو عبر قاعة العمليات المركزية بوزارة الداخلية". صابر