تميز الحراك السياسي في تونس بعد انتخابات المجلس التأسيسي وظهورالنتائج الأولية بجملة من التحركات انصبت باتجاه إعادة الخارطة السياسية في البلاد والسعي إلى تشكيل أقطاب جديدة ضمن تحالفات فرضها واقع الانتخابات وما آلت إليه النتائج المصرح بها. وتميزت ملامح هذه التحالفات في جانب أول منها بلقاءات واتصالات جرت بين بعض الأحزاب السياسية التي لم تحقق نجاحا في الانتخابات أو أن نجاحها كان محدودا جدا، وهو ما يجعلها غير ذات فاعلية داخل المجلس التأسيسي وبالتالي فإنها تسعى إلى تموقع جديد ضمن أحزاب المعارضة التي ستتشكل خارج المجلس التأسيسي لتسارع من الآن بنحت تحالف أو قطب آخرضمن التوجهات التي فرضها هذا الواقع الجديد لتمثل عامل ضغط من خارج المجلس التأسيسي. وتجمع هذه التحالفات أحزابا يسارية ووسطية على غرار حزب العمال الشيوعي التونسي وحزب الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمل وبعض الأحزاب الأخرى الوسطية والحداثية التي تتقارب في توجهاتها العامة مع هذه الأحزاب أو تدور في فلك برامج سياسية تتفق في مضمونها العام مع توجهات الحداثة. أما الجانب الثاني من ملامح التحالفات الجديدة فيتمثل في بعض الأحزاب التي فازت في الانتخابات لكن بشكل محدود، أي بمستوى لا يسمح لها بأن تكون فاعلة بمفردها في الواقع داخل المجلس التأسيسي، وهو ما يفرض عليها أن تسعى إلى لم صفوفها مع بعض الأحزاب الأخرى وتكوين قوة في ميزان القوى داخل المجلس التأسيسي. وتجمع هذه التحالفات قطب الحداثة الذي يجمع 4 أحزاب بزعامة أحمد إبراهيم أمين عام حركة التجديد، وأيضا الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يمثل واجهته أحمد نجيب الشابي وأمينته العامة مية الجريبي، كما شملت المشاورات الجارية لتكوين هذا الحلف أطرافا أخرى على غرار السيد جلول عزونة زعيم الحزب الشعبي للحرية. ويبدو أن هذا الحلف يجري أيضا اتصالات لتوسيع جبهته داخل المجلس التأسيسي مع أطراف أخرى على غرار السيد مصطفى بن جعفر الذي مازالت مواقف حزبه غير واضحة بخصوص الاصطفاف داخل المجلس التأسيسي، وأيضا السيد المنصف المرزوقي الذي تأرجحت مواقفه بين التحالف مع حزب النهضة او التحالف مع قوى الحداثة. ولا شك أن الأيام القادمة ستفرز وضوحا بخصوص مظاهر هذه التحالفات الجديدة على اعتبار أن الواقع يفرض على الجميع ذلك، لكن يبدو أن نغمة وفاق وطني بدأت تفرض نفسها على الجميع وتبدد جملة المخاوف التي يسعى الجميع لتلافيها وعدم تحمل مسؤوليتها. ولعل هذا يبرز بالخصوص في التصريحات التي عبرت عنها أخيرا بعض الوجوه السياسية ودعت فيها إلى ضرورة التوصل إلى وفاق وطني، وذلك على غراركل من أحمد إبراهيم والمنصف المرزوقي وعلي العريض، حيث اعتبر هؤلاء ضرورة بناء وفاق وطني واسع بين كل الأطراف السياسية لأن ذلك يمثل مسؤولية وطنية على جميع الأطياف السياسية بذل جهد للخروج بالبلاد من الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الراهن. ولئن يجمع الملاحظون على أن هذا الحراك السياسي قد تم بسرعة وغلب عليه طابع ردة فعل غير مدروسة ولا متأنية وليست ضمن تقييم عميق لدى كافة الأحزاب، ولا هي أيضا قائمة لديها على نقد ذاتي واعتراف بالأخطاء التي قامت بها خلال الحملة الانتخابية وما سبقها من ممارسات سياسية في الأشهر السابقة، وهي أيضا لا تعدو أن تكون سوى مجرد ردة فعل شبه متسرعة جاءت جراء الصدمة التي تعرضت لها ضمن نتائج الانتخابات وما منيت به تلك الأحزاب من خيبة بخصوص محاصيلها في الانتخابات، فإنها تبقى في الأخير استفاقة لرأب صدع سياسي وأخطاء في تقديرها للواقع الذي جانبته في حراكها السياسي الذي تميز بالانفرادية والنرجسية والحسابات الحزبية الضيقة دون التفكير في العمل الجماعي الذي يمثل عامل قوة لها واستحقاق أساسي لتخطي المرحلة بنجاح. ولئن أخذ هذا السعي لإعادة بناء الخارطة السياسية لدى الأحزاب على أسس جديدة أخرى لتلافي الأمور قبل فوات الأوان وتشكيل جبهة أو حلف بالنسبة لبعض الأحزاب التي حققت نجاحا جزئيا ومحدودا في الانتخابات ما كانت تتوقع أن يكون بذلك المستوى الهزيل الذي عرفته فإن هذه التحالفات قد مثلت استباقا لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في قادم الأيام، وما تنوي الأحزاب التي حققت نجاحا كاسحا في الانتخابات أن تفرضه من مواقف.