كشفت مؤخرا تقارير منظمات وجمعيات إنسانية دولية أنّ حياة ملايين الأطفال العراقيين مهدّدة بشكل يومي بسبب العنف وسوء التغذية والأمراض المتفشية وندرة المياه الصالحة للشرب. لقد تسببت الحرب في العراق منذ تاريخ غزوها في قتل أو إصابة آلاف الأطفال هناك كما أنّ المعيل الرئيسي لأسر العديد منهم تعرّض للخطف أو للقتل. وهذا الوضع المأساوي يدفع شهريا بحوالي 25 ألف طفل وأسرهم إلى مغادرة منازلهم واللجوء إلى مناطق أخرى أكثر أمنا في البلاد أو إلى مخيمات ومساكن مؤقتة. ويضاف إلى عامل النزوح القسري ما هو أخطر حيث أنّ قوات الأمن في حكومة المالكي اعتقلت نحو ألف و500 طفل يعيشون حاليا في المعتقلات والسجون بسبب مزاعم عن انتهاكات أمنية..!. وكل ما ترتب عن هذا الواقع المرير لأطفال العراق هو الانقطاع الدراسي المبكّر وتوديع مقاعد المدرسة بشكل نهائي حيث أنّ 28% فقط ممن بلغوا سنّ السابعة عشرة اجتازوا الامتحانات الثانوية السنة الماضية كما أنّ نسبة من اجتازوا الامتحان النهائي في وسط وجنوب العراق لم تتعدّ 40% بينما بلغ عدد تلاميذ المدارس الابتدائية المتخلفين عن الدراسة نحو 800 ألف طفل.. وهو مرشح للارتفاع هذه السنة بعد تزايد عدد النازحين. وهذه الصورة القاتمة لأوضاع أطفال العراق زادتها دور الأيتام بالعاصمة وبعض المدن الكبرى قتامة بعد الكشف عن فضائح ترتكب في حق مئات الأطفال المقيمين في هذه الدّور. إنّ هذه الأرقام المفزعة تختزل حقائق أكثر رعبا أبرزها تفشي الأمراض القاتلة نتيجة تدهور المرافق الصحية أو انعدامها إطلاقا وتعميم الجهل على جيل بأكمله وانتهاك الحق في الحياة بحرمان ملايين الأطفال من العيش في ظروف طبيعية. وهذه الحقائق مقترنة قد تمهّد على المدى المنظور «لتكوين» شباب منبتّ الأصول متطرّف النوازع يعصر كيانه الحقد والكراهية منفذ اهتمامه الوحيد الانتقام بعد أن عاش مرارة اليتم والجهل والأمراض والتهميش. هؤلاء الأطفال الذين يدفعون ثمنا باهظا نتيجة ممارسات غيرهم ممّن احترفوا سياسة القتل والتدمير سوف تترك الانتهاكات التي يتعرضون لها أخاديد عميقة في نفوسهم حتى بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها، وحتما ستكتشف عندئذ صورا ومشاهد لأطفال قد يعجز العقل البشري عن استيعابها بسبب فظاعتها.