رغم فوز حركة النهضة بأغلبية مقاعد المجلس التأسيسي سعت الى التأكيد أنها ستعمل على تكوين ائتلاف وطني يضم كل الحساسيات السياسية، غير أنه تدريجيا بدأ الائتلاف يضيق بعد اختيار عدد من الأحزاب التموقع في الصف المقابل وتكوين كتلة المعارضة داخل المجلس حتى انحصرت المشاورات بين ثلاث لجان ممثلة عن حزب حركة النهضة (89 مقعدا) وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية (29 مقعدا) وحزب التكتل (20 مقعدا). علما وأنه وبعد الاعلان الرسمي لانسحاب التكتل، تم تعليق مشاورات اللجان الثلاث ووفقا لما صرح به أحد قيادات الحزب فلا وجود لنية استئناف للحوار الى حد الآن... اذن يبدو أننا أمام تركيبة مجلس تأسيسي بأغلبية "حزبية" في المعارضة وائتلاف متذبذب يختصر على ثلاث قوى في الحكومة...فما هي التداعيات التي قد تكون لهذا النوع من التقسيم داخل "التأسيسي"؟
تصريحات
وفقا للتصريحات الصادرة عن عدد من رؤساء أحزاب وأمناء عامين والتي تلت اعلان النتائج الأولية لانتخابات التأسيسي فان حزب الديمقراطي التقدمي بمقاعده ال 16 قد تمركز في المعارضة الى جانب حزب العمال الشيوعي التونسي (قائمة البديل الثوري ) بمقاعده الثلاثة والقطب الحداثي بمقاعده الخمسة وحزب آفاق تونس ب4 مقاعد والقائمتين المستقلتين من أجل جبهة وطنية والنضال الاجتماعي والاتحاد الوطني الحر وحركة" الوطنيون الديمقراطيون" بمقعد لكل منها، في حين كان موقف العريضة المستقلة غير واضح نظرا لتناقض تصريحات منسّقها العام الهاشمي الحامدي من جهة وعدم مشاركته في المشاورات حول تكوين الحكومة رغم أنه الثالث في ترتيب الفائزين.
رؤية على "التأسيسي"
من منظور الأستاذ الجامعي والباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد فان حكومة الوحدة الوطنية بسيناريو ثلاثة أطراف محكوم عليها بعدم القدرة على التعايش لأن ما يجمعها هو المصلحة السياسية أكثر من المشروع الاجتماعي والثقافي كما أن الاختلاف بين مكونيها التكتل والنهضة يعد اختلافا عميقا على المستوى الفكري والسياسي. ويعتبر أن قاعدة الأغلبية العددية داخل المجلس التأسيسي غير قادرة على العمل بمفردها أو التقدم في الشأن السياسي. ويرى بالحاج محمد أن الخلل الجوهري في المرحلة الحالية هو التعامل مع مقاعد المجلس التأسيسي كغنيمة سياسية وآداة حكم من الفائزين أو المعارضة كما يود المنهزمون تصنيف أنفسهم في حين أن صياغة دستور وبناء جمهورية ثانية هو الهدف المحوري للانتخابات وليس الحكم أو المعارضة. وأضاف في نفس السياق "أن المرحلة القادمة ستكون الامتحان الحقيقي لمعرفة مدى صلابة التآلف الثلاثي الحالي القائم على المحاصصة وليس على المصلحة المشتركة"... كما نبه أستاذ علم الاجتماع الى خطر الوقوع في منطق حكم السياسة اللبنانية الذي يحكم فيه الوزير باسم حزبه لا باسم الدولة وتطبق الوزارات برامج أحزاب لا برامج دولة "وفي النهاية نجد أنفسنا داخل تجاذبات سياسية يضيع معها مفهوم الدولة". ومن بين المؤشرات التي تؤكد هذا التخوف ذكر طارق بالحاج محمد مطالبة النهضة بوزارة التربية وهي ليست وزارة سيادة وانما وزارة بناء مجتمع ورأي عام. و بين أن الأزمة موجودة في الحقل السياسي فقط وليس في المجتمع فهذا الأخير لا يخاف لا على دينه ولا على هويته وآخر اهتماماته رئيس الحكومة في المرحلة الانتقالية القادمة والمواطن قد عاد فعلا الى حياته العادية بعد تحميل مرشحه المسؤولية التاريخية لمتابعة طريق التأسيس ولذلك فالسياسيون مطالبون الآن بالارتقاء الى مستوى تطلعات المجتمع واما أن يدخلوا التاريخ بصياغة دستور يفوق دستور 59 في الجودة والنوعية أو يخرجوا منه بالبقاء في دائرة الصراعات السياسية الضيقة وثنائيات الفوز- الهزيمة، الحكم -المعارضة، العلمانيين -غير العلمانيين علما وان المستقبل لا يصاغ بهذه الثنائيات وللجميع الحق في المشاركة فيه حتى من لم يصوّت وهم أغلبية (60 بالمائة من الشعب التونسي).