كان حفل التكريم الذي نظمته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أول أمس بقبة المنزه من أجل تكريم شهداء الثورة فرصة لتعبر خلاله عائلات الشهداء والمصابين عن استنكارهم لتجاهل ملف المحاسبة من قبل الحكومتين السابقتين، حتى أن بعضهم رفض تسلم شهادة التكريم وصعد الى منصة التكريم ليصرخ بأعلى صوته مطالبا برد فضل الشهيد ومحاسبة قتلته... ورغم وعد كمال الجندوبي رئيس الهيئة الحاضرين بتقديم ملف المحاسبة والتعويض للشهداء لرئيس الوزراء أو رئيس الحكومة القادم الا أن حالة الانفعال والفوضى بقيت هي نفسها مما تسبب في إلغاء مراسيم الحفل برمتها... ورغم ذلك قال رضا الطرخاني عضو الهيئة المستقلة للانتخابات في تصريحه ل "الصباح" أنه: "لا يهم إلقاء الشعر أو سماع الأغاني الملتزمة ما دمنا قد استمعنا الى بكاء الأمهات ورأينا دموعهن على أبناء قتلوا قد كانوا يعيلونهم مطالبين بمحاسبة القتلة الذين مازالوا في الشوارع". فهل سيتولى أعضاء المجلس التأسيسي مهمة فتح ملف المحاسبة كأولوية في أجندة عملهم؟ أم أنهم سينتهجون منهج الحكومتين السابقتين اللتين تعمدتا تأجيل النظر فيه ربما خوفا مما سيترتب عنه؟
مواقف متباينة داخل "التأسيسي"
الى وقت ليس بالبعيد اقتصرت بعض التصريحات التي صدرت عن الأحزاب الكبرى (الأكثر تمثيلية في المجلس التأسيسي) بالتأكيد على مبدإ المصالحة دون أن تشير الى ضرورة فتح ملف المحاسبة ملتزمة في ذلك بمسار اختارته الحكومتان السابقتان وبقيت مواقفها بذلك باهتة. في المقابل كانت مواقف الأحزاب الأقل تمثيلية داخل "التأسيسي" أكثر جرأة حيث اعتبر نعمان الفهري عضو المجلس التأسيسي، عن حزب آفاق تونس دائرة نابل1، أن تكوين لجنة داخل المجلس التأسيسي تهتم بملف شهداء وجرحى الثورة وملف المحاسبة مسألة استعجاليه لتحقيق العدالة الانتقالية التي تمثل أحد أهم أهداف الثورة. ورأى شكري بلعيد عن حركة الوطنيين الديمقراطيين أن رد الاعتبار المادي والمعنوي والسياسي لعائلات الشهداء مسألة لا تقبل التأجيل وأضاف أن الحركة ستطالب بفتح ملف المحاسبة وتدافع عنه داخل المجلس التأسيسي وخارجه بكل وسائل النضال السلمي، "فالمحاسبة ورد الاعتبار لعائلات شهداء الثورة تتعلق بمبادئنا الوطنية ونسياننا لشهدائنا هو نسيان لثورتنا ووطنيتنا.." كما صرح عصام الشابي ممثل الحزب الديمقراطي التقدمي في أن حزبهم سيكون أول من يتبنى مطلب المحاسبة الذي نادت به عائلات شهداء الثورة وفي طليعة القوى التي تطالب بتحقيق منظومة العدالة الانتقالية التي تعتبر المدخل الحقيقي للإنصاف والتعويض الحقيقي لأبنائنا الذين بفضلهم ستجتمع أول هيئة شرعية منتخبة (المجلس التأسيسي) علما وأن فتح ملف شهداء جرحى الثورة سيكون أول الخطوات التي سينادي بها الديمقراطي التقدمي.
ملفات منسية..
وتجدر الإشارة الى أن عائلات شهداء الثورة اعلنوا انه ستكون لهم وقفة أمام مقر مجلس النواب اليوم في الجلسة الافتتاحية للمجلس التأسيسي كلفتة نظر أولى الى ملف أهمل منذ ما يقارب السنة. وستكون مناسبة كما قال توفيق القتاني (من سيدي حسين) لتذكيرهم بحقهم المعنوي والمادي. ورأى ميلاد لسمر وعبد الواحد (توفي أخواهما في سجن المنستير) أنها فرصة لعرض ملفات منسية لشهداء سجن المنستير الذين لم يشملهم لا التعويض ولا المحاسبة فمدير السجن والأعوان يحافظون الى اليوم على مهامهم. وفي نفس السياق تحدثت ليلى بن سالم أم الشهيد محمد زعباط وآمنة والدة الشهيد فيصل شتيوي عن شهداء الوردانين الذين لم يشملهم القضاء بالنظر مطالبتين بالمحاسبة ولا شيء غير المحاسبة.