يوم السّبت الماضي دعا "ائتلاف الجمعيّات من أجل الانتقال الدّيمقراطي" المتكوّن من منظّمات ورابطات وهياكل وطنيّة مختلفة تابعة للمجتمع المدني مثل الجمعيّة التّونسيّة للنّساء الدّيمقراطيّات والرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الانسان والمجلس الوطني للحريّات والنّقابة الوطنيّة للصّحفيّين ... الى جلسة حوار أدارتها الأستاذة سناء بن عاشور المنسّقة العامّة "للائتلاف" محورها الأداء المهني لوسائل الاعلام الوطنيّة على ضوء التّقرير النّهائي "للمرصد" الّذي تمّ بعثه منذ عدّة أشهر بمبادرة من "الائتلاف" وتولّى من خلاله الفريق العامل والمتكوّن من 35 ملاحظا رصد طبيعة الأداء المهني لخمسة عشرة وسيلة اعلام وطنيّة بين مكتوبة ومسموعة ومرئيّة على امتداد أيّام الفترة الانتخابيّة ... جلسة الحوار هذه الّتي آحتضنها مقرّ "الهيئة الوطنيّة المستقلّة للاعلام" وحضرها اعلاميّون ونشطاء حقوقيّون من بينهم كمال العبيدي رئيس "الهيئة الوطنيّة المستقلّة للاعلام" شهدت نقاشات حول الاعلام في تونس ما بعد ثورة 14 جانفي ودوره المستقبلي والمحتمل في بناء مجتمع الحريّات والتّعدّديّة ... التّقرير النّهائي "للمرصد" كما قدّمته بين يدي الحضور الأستاذة سناء بن عاشور انتهى الى نتيجة مفادها أنّ وضعيّة "المشهد الاعلامي" - على ضوء الاستنتاجات والملاحظات الّتي سجّلها فريق "المرصد" - تبدو "مشجّعة" اجمالا ... هناك هنّات وسلبيّات ونقائص طبعت الأداء المهني لوسائل الاعلام الوطنيّة على امتداد فترة انتخابات المجلس الوطني التّأسيسي - تضيف الأستاذة سناء بن عاشور - ولكن اجمالا هناك تحسّن ( حسّ نقديّ تحرّري وانفتاح على الرّأي المخالف في المادّة الصّحفيّة والاخباريّة في وسائل الاعلام الّتي أخضعها "المرصد" لمنظاره ) ... استقلاليّة أم حياديّة ؟؟ تجربة "المرصد" هذه وطبيعته العلميّة الّتي أثنى عليها المشاركون في الجلسة بل ودعوا الى تدعيمها ومواصلتها خدمة للاعلام التّونسي كانت منطلقا لحوار عام وثريّ لامس بعض الجوانب المحوريّة في "مسألة" الاعلام ونعني بها مفاهيم الحريّة والاستقلاليّة والحياديّة والمهنيّة وأخلاقيّات المهنة وضوابطها ... من بين المسائل الّتي طرحت - مثلا - وثار حولها خلاف ... مسألة "الاستقلاليّة" و"الحياديّة" في العمل الصّحفي ... فقد فاجأ كاتب هذه السّطور - مثلا - برأي مفاده أن لا وجود لشيء اسمه "الاستقلاليّة" في واقع العمل الصّحفي على اعتبار - أوّلا - أنّه لا وجود لخطاب اعلاميّ "مستقل" - في المطلق - وأنّ كلّ خطاب اعلاميّ هو بالضّرورة "ابن" توجّهات المؤسّسة الّتي يصدر عنها وأنّه لا وجود لمؤسّسة اعلاميّة يمكن أن توصف بأنّها "مستقلّة" بالكامل عن تأثيرات مراكز القرار والنّفوذ السّياسي والمالي امّا لأطراف من داخلها ( مالكيها ) أو من خارج محيطها ... ولكن دون أن يعني هذا - طبعا - أنّه يتعذّر على الاعلامي أن يؤدّي وظيفته بمهنيّة كاملة وبما تقتضيه أخلاقيّات المهنة ... أجل بامكانه ذلك اذا ما سعى الى أن يكون محايدا في أدائه المهني ... اذ بامكان الصّحفي أن يعلن أنّه محايد ويمكن له أن يثبت ذلك من خلال "منتوجه" الصّحفي ولكن ليس بامكانه أن يدّعي أنّه "مستقلّ" لأنّ هكذا ادّعاء يبدو غير واقعي بل ومناقضا للطّبيعة البشريّة للصّحفي ... منطلق هذا الرّأي الّذي بدا للبعض "طريفا" وللبعض الآخر "مستفزّا" تجربة "المرصد" الّتي خضناها في "دار الصّباح" والّتي استطعنا من خلالها أن نحصي على أنفسنا كصحفيّين أداءنا المهني وأن نخضعه للقواعد المهنيّة المتّفق عليها دون ادّعاء بأنّنا أشخاص "مافوقيّين" ليست لنا خلفيّات سياسيّة أو ايديولوجيّة... وهو ذاته ( "المرصد" ) الّذي سمح لنا بأن نكون - عمليّا - حياديّين في تغطياتنا الصّحفيّة على امتداد فترة انتخابات المجلس الوطني التّأسيسي وأن نقف على نفس المسافة من كلّ الأطراف الّتي خاضت الانتخابات بعيدا عن أيّ ادّعاء ... جلسة الحوار شملت أيضا مواضيع أخرى ذات علاقة بالمهنة الصّحفيّة وبآفاقها في تونس ما بعد الثّورة وقد أوجدت لدى كلّ الحاضرين شعورا بأنّ المجتمع المدني يجب أن يكون مستقبلا في" قلب" المسألة الاعلاميّة امّا من خلال تجربة "المرصد" الّتي أقدم عليها "ائتلاف الجمعيّات من أجل الانتقال الدّيمقراطي" والّتي قالت عنها الأستاذة سناء بن عاشور أنّها شكل من أشكال دعم الاعلام والاعلاميّين ومساعدتهم على أن يكونوا مهنيّين في أدائهم وعملهم وأنّه ( المرصد ) "آليّة" معتمدة حتّى في المجتمعات الدّيمقراطيّة ولا تمثّل "تدخّلا" أو رقابة ... أو من خلال تكثيف لقاءات الحوار بين أهل المهنة ومنظّمات المجتمع المدني ...