صدر هذه الأيام العدد الثالث من قضايا إستراتيجية وهي مجلة شهرية فكرية مستقلة وجامعة، تعنى بالبحوث المستقلة والدراسات الإستراتيجية ومقالات الرأي التي يكتبها مفكرون وخبراء من المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والعلم والخبرة تتكون منهم الهيئتان العلمية والاستشارية للمجلة التي ترفع شعار نتعايش معا... ونحن مختلفون. جاء هذا العدد حافلا بالقضايا التي تناولت بدقة موضوع الثورات والاستراتيجيات والانتفاضات العربية وتحولاتها المرتقبة والملفات كملف المشهد الإعلامي في تونس أما الجزء الفرنسي للمجلة ففيه دعوة إلى النص على التحولات الدستورية في عصر الثورة الرقمية لمصطفى المصمودي وقول الحقيقة بشأن الرشوة والفساد لمحمد صالح الشابي الأحسن. وفي ركن حوارات تحدث عفيف البوني مع الباحث والخبير في القانون الدستوري ورئيس اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق عن الرشوة والفساد الأستاذ عبد الفتاح عمر عن العقيدة الدينية والكليانية والجمهورية وعن الفصل الأول من دستور 59 وعن الحقوق والحريات في الدستور المنتظر ومنها المساواة بين الرجل والمرأة وتحجير التعذيب وفقا لمعايير المعاهدات الدولية وعن الفساد والرشوة في هذا الحوار أيضا بين عبد الفتاح عمر كيف أن تونس خسرت 11.3 مليار دولار من الفرص الضائعة للاستثمار. وفي نفس الركن تحدثت رشيدة مراسي مع الدكتور محمد نور الدين الخبير في الشؤون التركية عن العلاقات العربية التركية التي كانت توصف قبل وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة بعدم الاستقرار فإذا بهذا الحزب يعمل على تنقية مشكلات تركيا مع دول الجوار الإقليمي للتأسيس لمرحلة يمكن البناء عليها جديا لتركيا ولشعوب المنطقة ككل. وقد أكد أن المشروع التركي الهادف إلى أن يجعلها لاعبا قويا من خلال التفاعل والتناغم مع الجوار المباشر لن يكون متاحا لأن كل شيء انقلب رأسا على عقب وعاد إلى المربع الأول الذي كان قائما قبل وصول العدالة والتنمية إلى السلطة وهذا من أخطر ما أسفر عنه « الانقلاب» التركي الأخير. أما بالنسبة إلى ملف البعد الاستراتيجي للانتفاضات العربية الذي أعده الباحث والمفكر اللبناني مسعود ظاهر فقد أكد فيه على أن الشعب العربي أسقط إلى غير رجعة حاجز الخوف من الأنظمة التي حمت نفسها بقوانين الطوارئ وتساءل عما إذا كانت القوى المنتفضة ستنجح في إطلاق دينامية جديدة لقيام نهضة عربية شاملة على أسس ديمقراطية سليمة ؟ ملف الثورة السورية في مجلة قضايا إستراتيجية فتحه المفكر والباحث العربي والمعارض السياسي الديمقراطيى السوري والمقيم في تونس عبد الله تركماني الذي رأى أن ما يحدث في سوريا منذ أشهر يدلّ بوضوح على أن هناك معارضة كامنة كبيرة في المجتمع السوري وأن المعارضة التقليدية لم تكن قادرة على التواصل معها ولا تملك أدوات تنشيطها وتحويلها الى معارضة فاعلة وأن النموذج العربي الجيد من شأنه أن يحفز السوريين على تغيير أوضاعهم السياسية وقد كان المثالان التونسي والمصري ملهمين بقدر كبير للسوريين . وحلّل تركماني الوضع في سوريا التي حددت هدفها وشقت طريقها بثقة وثبات في اتجاه دولة مدنية ونظام ديمقراطي يحترم الإنسان ويحافظ على حقوقه ووضح رؤيته لمستقبل سوريا مستعرضا أهم المحطات التي شهدتها الثورة السورية والتضحيات التي قدمها الشعب شيبا وشبابا ونساء ورجالا وأطفالا. ملفات كثيرة ومواضيع هامة وشيقة جدا وتحاليل بعضها مستفز وردت في هذا العدد من مجلة قضايا إستراتيجية وفي العددين السابقين بأقلام تونسية وسورية وأردنية ولبنانية ومغربية كلها حللت أوضاع البلدان العربية وهي تقف في مفترق طرق الجغرافيا السياسية . وقد سعى هؤلاء لأن تكون مجلتهم منبرا للبحث عن الحق وكشف الحقيقة بحياد وموضوعية وللحوار الشهري بين التيارات المختلفة بعرض الأفكار ودرس التجارب ولكن ضعف المقدرة المالية على ما يبدو فرضت أن تكون هذه المجلة الثرية دورية . لذا وحتى يتواصل صدور هذه المجلة وغيرها من المجلات الثقافية والفكرية المختصة التي لا تلقى الرواج الكبير ولا يعرفها القارئ التونسي والتي يعاني أصحابها من متاعب مالية فان وزارة الثقافة مدعوة إلى دعمها ماديا ومعنويا باشتراء النسخ وتوزيعها على المكتبات العمومية ليتعرف عليها القارئ التونسي وعلى المؤسسات الاقتصادية أيضا أن تستجيب إلى دعوات المساندة والمساعدة على مصاريف الطبع بمد هذه المجلات بصفحات من الإشهار العمومي لتنقذها من الاندثار لأننا نحتاجها أكثر من أي وقت فات.