آسيا العتروس ما حدث اول أمس بفضاء كلية الاداب بمنوبة وما حدث من قبل في مقر اذاعة الزيتونة وماحدث في جامعة سوسة وما يحدث في مؤسساتنا التربوية بما في ذلك المدارس القرآنية ورياض الاطفال من استهداف ومن تهديد للاساتذة وللإطارات الجامعية إمتد في أحيان كثيرة الى التلاميذ والطلبة لا يمكن أن يكون حدثا عابرا... والأكيد أنه عندما تعمد مجموعة مجهولة ممن لا علاقة لهم بالحرم الجامعي على اقتحام أسوارالجامعات والمدارس التي يفترض أن تكون منارة للتنافس وللعلم والمعرفة فإن ذلك لا يمكن أن يكون أمرا عاديا، وأنه عندما تتحول الجامعة الى رهينة في يد مجموعة من المتشددين فإن ذلك لا يمكن أن يكون خاليا من إشارات ومساومات خطيرة على مستقبل الاجيال القادمة، بل الحقيقة أن التعامل مع الحدث بالامبالاة والصمت والتجاهل لن يمنع مستقبلا تكرار ما حدث في مواقع قد لا يتخيلها أحد. ليس الهدف التوقف عند قائمة الشروط والمطالب المعلنة من جانب تلك المجموعة التي اختارت الاعتصام في مقرالجامعة فهذا من مهام الاحزاب الفائزة في انتخابات الشهر الماضي والتي يتعين عليها مواجهة الرأي العام واتخاذ موقف علني وصريح أكثر من مطلوب إزاء ما يحدث، ولكن الهدف التأكيد على أن الامرلا يتعلق بالحريات الشخصية والهوية العربية الاسلامية لتونس والتي لا يمكن لاحد أن يقايض بشأنها في بلد طالما عانى من غياب الحريات، بقدرما يتعلق بمشاكل مفتعلة ومسائل لا تشكل بأي حال من الاحوال أولوية بالنسبة للسواد الاعظم من الشارع التونسي الحائر بين التناقضات الكثيرة التي تحيط به وتزيد حجم معاناته اليومية في صراعه بين البطالة والفقر واللهث وراء لقمة العيش وبين تطلعاته للافضل.. طبعا لا شيئ سيقف دون اتهام كل من يقف ضد هذه المظاهر بالتأثيم والزندقة وحتى التكفير. ومع ذلك فإنه لا يمكن بأي حال من الاحوال لكل الفئات التي يفترض أنها عانت طويلا من قهر بن علي وظلمه وقمعه أن تلوذ بنفس السلاح لفرض خياراتها وتوجهاتها على الاغلبية وأن تعمد بذلك الى احياء أسطورة اليهود مع عقدة الذنب الاوروبي لتكرار نفس الاخطاء واخراج الثورة عن مسارها الصحيح في إقامة مجتمع تعددي ديموقراطي يرفض الرجعية والعودة الى حياة أهل الكهف البدائية.. طبعا لسنا نريد الدخول في محاكمة النوايا ولا في تحميل الاحداث أكثر مما تحتمل فليس سرا أن ما تمر به بلادنا اليوم من تحديات ومخاطر وإختبارات لا يستهان بها ونحن نخطو أول الخطوات على مسارالديمقراطية الناشئة تبقى نتيجة حتمية لعقود الظلم والاستبداد وإنعدام التعددية وغياب ثقافة الحوار والإنفتاح والخوف الدائم من الرأي الآخر... ولعل الآلاف المؤلفة التي خرجت يوم الرابع عشر من جانفي للمطالبة بسقوط الظلم والفساد والاستبداد لا تزال تتذكر تلك الشعارات التي رفعتها مختلف الاجيال من شباب ونساء ورجال هذا الشعب بشجاعة وتلقائية لا مثيل لها بعيدا عن كل أنواع الوصاية والزعامات والايديولوجيات باستثناء تلك الإرادة في تحقيق الكرامة والحق المشروع في الحرية وإنسانية الإنسان بكل ما يعنيه ذلك من قيم كونية شاملة... تونس لكل التونسيين شعار جميل ما في ذلك شك ولكن الاهم أن يتحول الى حقيقة قائمة لا تقبل المزايدات والابتزازات فلا نتحول يوما الى أمة ضحكت من جهلها الامم...