آسيا العتروس عندما بلغت الخلافات الفلسطينية الفلسطينية حد الاقتتال بين الاخوة الاعداء كنا نصرخ أوقفوا الاقتتال، وعندما كانت الصراعات الطائفية في لبنان وفي العراق تتحول الى حمامات دم كنا دوما من الرافضين المحذرين من مخاطرها على السلم الاجتماعي، وعندما تحولت الصراعات الطائفية بين المسلمين والمسيحين في مصر أو بين القبائل اليمنية الى صراعات موسمية كنا دوما من المندّدين بكل ما يمكن أن يمس وحدة الشعوب وتماسكها، ولكن في كل ذلك لم نكن نتخيل يوما أن تمتد مثل تلك الصراعات الى تونس ولا أن تتحول الى مصدر اقتتال في صفوف أبناء هذا البلد الذين وقفوا وقفة رجل واحد في الرابع عشر من جانفي الماضي ورسموا معا أطوار أروع ملحمة شعبية يشهدها العالم في هذه الحقبة التارخية بكل ما حملته في طياتها من امال وأحلام للشعوب العربية الطامحة لمعانقة الحرية وكسر قيود الاستبداد..يومها وقف التونسيون صفا واحدا ضد الظلم والقهر والفساد ويومها أيضا ردد هذا الشعب بصوت واحد مطالبا الطغاة بالرحيل..»ارحل « كانت الكلمة السر التي اكتشف العالم لاحقا وقعها على قائمة المستبدين الذين سقطوا وسيسقطون تباعا..واليوم اذ تعود تلك المشاهد التي جمعت التونسيين لتفرض نفسها على الذاكرة بقوة رغم أنها لم تختف يوما من الذاكرة الجماعية فانها بالتأكيد تدفع بالجميع الى التوقف بدل اللحظة لحظات أمام تعقيدات المشهد الراهن وما يمكن أن يؤول اليه من تداعيات اذا ما تحول الجمود والغموض الراهن الى انسداد للافاق... احساس بالانكسار والاحباط ولكنه احساس لا يخلو من الخوف أيضا يخيم على النفوس في ظل الاخبار المتواترة في جزء من البلاد، والامرلا يتوقف عند الجمود والتكتم المثير الذي يخيم على المشهد السياسي والصمت المقيت للحكومة كما للهيئة المكلفة باعداد الانتخابات بشأن موعد هذا الاستحقاق ولا يتعلق أيضا بما يحدث على حدودنا مع ليبيا في ظل التعقيدات الامنية وتأجيل موعد الحسم ولكن بما يمكن أن يكون أشد خطرا على بلادنا من كل الخلافات السياسية والصراعات الايديولوجية ومن كل المصالح الانية والمستقبلية وعندما يسيل الدم التونسي فان الامر لا يمكن أن يدعو للصمت أو الحياد بل ان كل قطرة دم تسيل لا يمكن الا أن تضاعف الازمة وتؤجل الحلول... واليوم فان الدم التونسي يسيل في المتلوي والدم اذا سال فانه سيستنزف المزيد وحصيلة الضحايا تتفاقم لتحمل مع كل ضحية تسقط بدل السؤال ألف سؤال فهل هانت روح التونسي ودماؤه على أخيه التونسي الى هذا الحد ليحل السلاح الابيض وبنادق الصيد بدل الحوار والكلمة الطيبة.. برغم حالة حظر الجولان التي تفرض على الجهة للمرة الثانية خلال أقل من شهرين فقد استمرت المواجهات المسلحة التي يصر البعض على اضفاء طابع العشائرعليها واعتبارها مجرد فلتة من فلتات «النعرة العشائرية» تلك العقلية التي يريد البعض أن تبدو وكأنها السائدة في المتلوي والتي يفترض أنها اختفت دون رجعة من البلاد..أكثرمن سؤال سيظل قائما قبل أن تتضح أحداث المتلوي فماذا وراء هذا التوقيت ولماذا تطفو النزعة العشائرية والجهويات في الوقت الذي يستعد فيه الآلاف من أبنائنا التلاميذ لاجتياز امتحان الباكالوريا وفي الوقت الذي بدأ المشهد الامني في البلاد يتعافى وفي الوقت الذي يقترب فيه موعد جني ثمار السنة الدراسية والجامعية التي كان بعضهم يعولون على افشالها..وربما أدرك الكثيرون أن في استفاقة المخلوع من غيبوبته وعودته المفاجئة للحياة للمطالبة باستعادة سمعته ومصداقيته واستحقاقاته اللاّمشروعة ما يؤكد أن محاولات الشد الى الوراء والالتفاف على الثورة لن تتوقف قريبا وقد لا تكون الرسائل الدعائية لكلمة المخلوع على إحدى الفضائيات أسوة بنظيره المصري سوى محاولة فاشلة لادخال التونسيين في حالة من الشك وقد كان واضحا أن ظهور حسني مبارك قبل أسابيع لمخاطبة المصريين لم يزدهم سوى اصرارا على التمسك بالعدالة لتكون الكلمة الفصل في مختلف الانتهاكات والاخلالات والجرائم المقترفة في حق الشعب..كم نحتاج اليوم الى احياء روح َ الرابع عشر من جانفي الى البلاد لانها الحصن الكفيل بحماية الثورة وحماية مسيرة الشعب الانتقالية الى الديموقراطية. [email protected]