بقلم: وليد الشريف رغم عميق اقتناعي بأنّ من اشتغل في السّياسة هاجسه الأوّل السلطة حتّى وإن كان متدثّرا بعباءة الدّين، فإنّي لم أكن أحسب أن يصل الأمر إلى حدّ يجعلني أشكّ أنّي في صحو ولست في حلم ثقيل. أوّل ما صدمني مشروع حركة النهضة المتعلّق بتوزيع السّلط العموميّة، وخاصّة هاتين النقطتين: -تُعيّن الحكومة ب %50 وتُحجب عنها الثقة ب %66، -إعتماد كلّ فصل من الدستور ب %50 ثمّ المصادقة على كلّ الدستور ب %66 فإذا تعذر ذلك يتمّ المصادقة عليه بعد شهر ب %50. لم أجد ما أعلّق على هذا إلا بعبارة «ما هذا؟ ما هذا؟» أهي نكتة سمجة والحال أنّ المقام جلل؟. أم هو جدّ وتلك إذا الطّامة الكبرى؟. لقد شعرت بما شعرت ذات 14 جانفي أمام الداخليّة. أنّني مهدّد في كياني وفي حريّتي وفي قيمتي الإنسانيّة. أنّ هناك من يحتقرني ويستهزيء بي ويزدريني ولا يقيم لي ولبني وطني وزنا. ثمّ امتعضت كثيرا عندما سمعت نور الدين البحيري المسؤول في النهضة يقول في إذاعة، وقد سألوه رأيه عمّا يدور في كليّة منّوبة، أنّه وحزبه يندّدون بالعنف أيّا كان مأتاه وأيّا كانت هويّته وأنّه يجب إنتظار ما ستكشفه التحقيقات بخصوص هذا الأمر وما إلى ذلك من لغة جوفاء. لقد أحجم الرّجل أن يستنكر صراحة هذا العمل وأن يقول كلمة حقّ ويرفضه مخافة أن يخسر بعضا من أصوات النّاخبين في قادم الأيّام. و بغّض النّظر عن الإنتماءات الإيديولوجيّة وعن الإنتماءات الحزبيّة، فإنّي أقول لبني وطني ممّن يعتقدون أنّ مرجعيّاتهم دينيّة كما يفهمون الديّن، أقول أنّ الشّهادة من الدّين وأنّ الرّجال مواقف. وأنّ لا شيء يبرّر كتمان كلمة حقّ. إنّ الجامعة التونسيّة هي التي كوّنتكم وعلّمتكم وجعلتكم مثّقفين وفيها رجال أفنوا أعمارهم من أجل الوطن ومنها خرجت جحافل الإطارات والمثّقفين والفنّانين والتقنيّين الذّين أضاؤوا ليالينا أيّام ساد الخوف وانحشر الكلّ في بيته والذين سهروا على موانئنا ومطاراتنا وقطاراتنا وعلى تزويد أسواقنا والذين علّمونا ووسّعوا آفاقنا، إلخ. يا بني وطني في النهضة، أليس منكم رجل رشيد يذكركم أنّ الله ضرب مثلا في الاعتداء والنّهم، رجلا له 99 نعجة فأراد أن يضمّ إليها نعجة صاحبه الوحيدة؟ يا بني وطني في النهضة، أليس منكم رجل رشيد يعلّمكم أنّ الخلافة الراشدة التي تيّمتكم هي أفعال راشدة لرجال رشيدين؟. وأنّ التاريخ لم يخلّد إسم عُمر لكثرة صلاته أو صومه. من يدري كم صام عُمر وكم صلّى فرضا أو نافلة؟ لقد خلّد التاريخ عدل عُمر ونُصرته الضّعفاء وإرساءه الدّولة الإسلاميّة. وأنّ الخلافة لم يذكرها التاريخ كمؤسّسة محمودة والدّليل أنّكم لا تجدون اليوم ما تذكرونه من مئات الخلفاء إلا خمسة. يا بني وطني في النهضة، أليس منكم رجل رشيد يقول لكم أنّ خيركم من كان خيرا لشعبه ؟ وأنّ كلمة الحقّ تعبُر العصور والدّهور وأنّ إرادة الحياة والحريّة لا تعلو فوقها إرادة. ويقول لكم أنّ التاريخ خلّد بلال الحبشي لا لرفعة أصل أو لصلاة وصيام وإنّما لإرادته الحرية وإيمانه بغد أفضل وهو يردّد «أحد أحد». يا بني وطني في النهضة، أليس منكم رجل رشيد يحثكم على البرّ بشعبكم ويعلّمكم أنّ تاريخ الشعوب لا يرحم وهو غربال دقيق لا يُبقي إلاّ على من نَفعها حقّا؟ أم ألهتكم الكراسي حتّى نسيتم من كان له الفضل عليكم؟ يا بني وطني في النهضة، أليس منكم رجل رشيد يذكّركم نضالات شعبكم وعذاباته القرون الطّوال في غياب الحريّة والقيمة الإنسانيّة؟ يا بني وطني في النهضة، أليس منكم رجل رشيد يأتي بكم إلى كلمة سواء بينكم وبين جميع بني وطنكم ألا وهي إرادة الحياة والحريّة وإعلاء القيمة الإنسانيّة.