حج 2024 : وزير الشؤون الدينية يشدد على ضرورة بذل كلّ الجهود لإنجاح الموسم الحالي    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    إنتاج الغلال الصيفية ذات النّوى يبلغ 245 ألف طن    فص ثوم واحد كل ليلة يكسبك 5 فوائد صحية    مجاز الباب: الإحتفاظ بمفتش عنه من أجل "سرقة مواشي والاعتداء بالعنف الشديد ومحاولة القتل"    بطولة القسم الوطني "ا" للكرة الطائرة (مرحلة التتويج-الجولة 4): البرنامج    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأحد 5 ماي 2024    سيدي بوزيد: إحداث أول مخبر بحث عملي بكلية العلوم والتقنيات    محكمة الاستئناف بالمنستير توضّح بخصوص عدم الاستجابة لطلب القاضي أنس الحمايدي    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    رسميا "ناجي جلّول " مرشّح حزب الإئتلاف الوطني للإنتخابات الرئاسية    أريانة: الكشف عن وفاق إجرامي وحجز كمية من الهيروين وسلاح ناري أثري    مستقبل سليمان اتحاد بنقردان (0 1) خبرة الضيوف كانت حاسمة    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    كأس تونس لكرة اليد... «كلاسيكو» من نار بين «ليتوال» والترجي    سهرة تنتهي بجريمة قتل شنيعة في المنزه التاسع..    الإدارة الجهوية للتجارة بولاية تونس ترفع 3097 مخالفة خلال 4 أشهر    تفاصيل الاكتتاب في القسط الثاني من القرض الرّقاعي الوطني لسنة 2024    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    المهدية: الاحتفاظ بشخص محل 15 منشور تفتيش وينشط ضمن شبكة دولية لترويج المخدرات    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 58 قتيلا و67 مفقودا    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب شرقي البيرو    جندوبة: إنطلاق عملية التنظيف الآلي واليدوي لشواطىء طبرقة    طقس اليوم الأحد...أجواء ربيعية    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    الرابطة المحترفة الثانية : نتائج مباريات الدفعة الأولى للجولة الحادية والعشرين..    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    انتخابات الجامعة:إسقاط قائمتي التلمساني و بن تقية    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    تمّ التحوّز عليه منذ حوالي 8 سنوات: إخلاء مقر المركب الشبابي بالمرسى    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    عاجل/ القبض على شاب شوّه وجه عضو مجلس محلي بهذه الحهة    14 قتيلا جراء فيضانات... التفاصيل    التوقعات الجوية لليوم    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى تأسيس حركة النّهضة/ الحلقة السّابعة


الخطاب المراهن على 18 أكتوبر:
من الثّوابت اليقيّنيّة في السّاحة السّياسيّة التّونسيّة أنّ الأزمة مؤبّدة وأنّ الانسداد متواصل، لغياب معارضة شعبيّة قويّة جادّة متماسكة وقادرة على إجراء إصلاحات حقيقيّة جذريّة عميقة وشاملة. و من مظاهر ذلك الواقع المرير، ما شهدته تلك السّاحة منذ ما يزيد على أربع سنوات من تأسيس تكتّل سياسيّ اجتمع تحت لائحة هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيّات"1، ودون نظر في طبيعة الكيانات المؤلّفة لتلك الهيئة المتصادمة في الأهداف، المتناقضة في المرجعيّات، ودون بحث عن أسباب قيام ذلك الائتلاف الغريب الشّاذّ، فإنّ المتابع له يلاحظ أنّه قام على حلف هشّ لا يثبت، وعلى مغالبات داخليّة في مكوّناته، لأنّه قام من قبل مثل تلك التّجمّعات فلم تصمد طويلا للتّشابكات العظيمة التي جمعت بين كياناتها، ولقيامها على مغالبة السّلطة فحسب، وللتّنافس الطّفولي على اختطافها وقيادتها، هذا فضلا على أنّ عملها بات محصورا على توظيف الأحداث دون صنعها.
ولقد راهنت حركة النّهضة على تلك الهيئة واعتبرتها طوق النّجاة، فقبلت السّير بكلّ انضباط على المسلك الذي رسمه لها صقور تلك الهيئة، فاستسلمت لشروطهم بالكامل ورضيت بكلّ ما يعطى لها من أوهام، فألقت ما تبقّى لها من أسلحة دون مقاومة، ولو بالثّبات على الشّرف والمروءة ولا أقول على الدّين، أو بالمحافظة على صدق الكلمة، أو بالتّمسّك بالمواقف القديمة التي تأسّست عليها تلك الحركة ومدّتها بالشّرعيّة. ولقد تجلّى استسلامها الكامل جليّا أمام العلن بإمضائها على ذلك البيان المهين المسمّى"إعلان هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيات حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين"، الصّادرة بتاريخ 08/03/2007م، ممّا بيّن لكلّ متابع أنّ الذين أمضوا على ذلك البيان المشين ما هم إلاّ نخبة متآمرة على ثوابت الأمّة ومعادية لعقيدة التّونسيّين، و مجتمعة على الباطل، حيث أرّخ ذلك البيان للتّاريخ أنّهم اتّفقوا على وثيقة قذرة جمعت مفاسد عظيمة تبيّن كراهة واضعيها للشّرع العزيز ومصادمتهم لأحكامه القطعيّة، واللّمز والهمز بأنّ أحكام الإسلام تطعن في إنسانيّة المرأة وتعيق عن تحريرها والنّهوض بأوضاعها، وأشاروا بكلّ وضوح أنّ ديننا العظيم ظالم لها ومميّز للذّكر على الأنثى. والعجيب أنّهم ادّعوا بأنّ تلك الهرطقات ما هي عندهم إلاّ "إصلاحات"جاءت لتحدّ من مظاهر الحيف والتّمييز، وأدرجوا تلك المجلّة ضمن حركة إصلاحيّة اجتهاديّة تنويريّة. والحقّ الذي لا ريب فيه أنّها مجلّة جاءت في سياق حركة تدمير شاملة للأسرة التّونسيّة وضمن مشروع تخريب للمجتمع كلّه.
لقد كانت حركة النّهضة لمّا كانت عقائديّة تعتبر تلك المجلّة ردّة، ولمّا اختطفت من سياسيّيها، ووحلت في حمأة التّنافس السّياسيّ وهستيريا المزايدات البيانيّة الاستعراضيّة على خطاب السّلطة وعلى خطاب اليسار الدّخيل، وحتّى لا تبقى قضيّة المرأة حكرا وأداة للتّوظيف الدّعائي من قبل الآخرين المنافسين، بدّلت حركة النّهضة قديمها بالجديد السّياسيّ لتلغي به شرع الله عزّ وجلّ وتستبدل به دين الأهواء الذي اجتثّ كلّ أصولها وأركانها وقيمها. تلك هي الأهواء التي تؤزّ بأهلها إلى سلسلة من الهزائم والتّخبّط والفشل، واستسلامهم وانحنائهم أمام تأثيرات الواقع و إملاءات المصالح الوهميّة ووهم طمأنة الشّركاء في الوطن.
تنازلات المستسلمين
لقد أدمنت حركة النّهضة على تنازلات جوهريّة مطلقة كثيرة ومتتالية ومستمرّة ومهينة بعضها على حساب العقيدة وبعضها على حساب الكرامة وبعضها على حساب التّضحيات الغالية التي قدّمها شعبنا الذي لا يرضى بذلك التّفريط أو الهوان. والغريب أنّك تسمع من المجادلين بالباطل أو تقرأ لهم وهم يبرّرون لكوارثهم بقولهم: إنّه من أجل أن نظهر معتدلين، ومن أجل تطبيع العلاقات مع شركاء الوطن، ومن أجل مغالبة السّلطة فإنّه لا بأس بالقبول بتنازلات "ضروريّة" ولا حرج على الحركة من فعل ذلك!قُلتُ: أمّا القرآن فله القول الفصل في مثل هذه المسألة، حيث يصف هذه الحالة ويشخّصها بكلّ دقّة حفرا في نفوس المتهافتين قائلا:"مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا "2 "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ"3"وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا"4 "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ " 5
ويقولون هي تنازلات ضروريّة، وما هي إلاّ مهلكات مؤبّدة، وجريا على فرض أنّها كما يدّعون، فما الذي يجرّ العاقل إليها؟ وما هي ضروراتها؟ وما الدّافع إليها؟ ما هو مبرّر الإمضاء على بيان 08 /03/2007 القذر6؟ لماذا تقبل حركة إسلاميّة بشروط اليساريّين الغلاة المرتدّين؟ وكيف يقبل من يرفع راية التّوحيد أن ينضوي تحت لوائح تطعن في الدّين وتتنازل عن حقّ الله عزّ وجلّ في الأمر والتّشريع والحكم؟ لماذا يصل الهوان بحركة إسلاميّة أن تتغاضى عن الباطل بل تؤيّده دون تحفّظ؟ وما هي الأرباح التي جنتها حركة النّهضة من تلك التّنازلات الضّخمة والمكلّفة؟ ما هي المصالح المرجوّة وهم يفرّقون الدّين ويخالفونه؟ ما هي المنافع التي سيحصلون عليها وهم ينشقّون عن صفّ الأمّة ويفزعون إلى الشّذوذ والشّحّ المطاع؟ كيف يريدون أن يحقّقوا مصالح شرعيّة وهم يخالفون الشّرع؟
إنّها الخيالات والأوهام التي لا تحقّق مصالحهم دعك من مصالح الإسلام! إنّه بكلّ بساطة تطويع للدّين بالحسرة والنّدامة وتطبيع بالمجان والخسائر!
ألم يكن أهل العلم والشّعب والحركة في إجماع تونسيّ منقطع النّظير يعيبون على بورقيبة ويعتبرون مجلّة الأحوال الشّخصيّة التي تقيّأ بها ردّة عن الإسلام؟ فلماذا ثارت تلك الحركة عليه وعلى مجلّته؟ فهل كان ذلك الإجماع الإسلاميّ والوطنيّ على خطأ؟ فلماذا هذا الانقلاب؟ أفلا يتبيّن أنّ الهدف السّياسيّ هو المحدّد وأنّ كلّ وسائله ممكنة ومباحة.
إنّ الحقّ الذي لا غبار عليه، أنّ هذا هو مصير قيادة تخلّت عن العقيدة فضاعت بوصلتها ودخلت في سحاب الأوهام و ضباب الأهواء فانعدمت رؤياها، فلم تعرف نارا من سلامة، ولا صديقا من عدوّ، ولا قريبا من بعيد ولا تكتيكا من استراتيجيا ولا ثوابت من متغيّرات ولا أصولا من فروع ولا تجديدا من تبديد ولا إصلاحا من إفساد... وبعبارة أخرى اختلط الحابل بالنّابل فهي تضرب في عمًى وأوكلت إلى نفسها فضيّعت المحجّة البيضاء وتخلّى النّاصر عنها، ولم تعتمد على ربّها بالتّمسّك بمنهجه العدل القويم، وصارت تتوكّل على كلّ أحد ولو كانوا أعداء الشّريعة وبالإمضاء على الطّعن في الدّين، مراهنة على كلّ جواد خاسر: فيوما على بن بريك ويوما على مواعدة وآخر على مزالي، ويوما على محمّد الشّرفي إن تاب ، وآخر على المرزوقي، وغدا على الشّابّي وحمّة الهمّامي الذي يعلن إلحاده بكلّ وقاحة.
لقد استفاد العلمانيّون الغلاة وذئاب اليسار الطّفيليّ لمّا غذّوا منهج المغالبة الذي يسيل لعاب سذّج السياسيّين الإسلاميّين، فوضعوا لهم ذلك البيان للنّيل من سمعتهم ومصداقيّّتهم من جهة، ولاستعمالهم من جهة أخرى ذراعا لتخويف السّلطة، ولتوريطهم أمام البعبع المقدّس"المرأة والمكاسب الوطنيّة"، ولربّما قطعوا بذلك التّحالف المكلّف أيّ سبيل لمدّ جسور المصالحة المنتظرة بين السّلطة والإسلاميّين والتّشويش عليها.
لقد قبلت حركة النّهضة مع الأسف الشّديد منهج المغالبة على المصالحة بإمضائها على التّنسيق مع اليسار المرتدّ، وبتصديقها على مواثيق اليسار في منازعة أمر الشّرع العزيز وبغرس نبات فتنة التّجرّء على الطّعن في صدق الشّريعة وكمالها وعدلها وحسنها وجمالها. وبأفعالها تلك، استسلمت أن تقاد إلى السّلخ، لأنّها قبلت ورضيت بالشّروط المهينة وتابعت لافتة من يرفع لواء معاداة الشّريعة، فدخلت في فسطاط العلمانيّة من الباب الخلفي. لقد تروّضت تلك القيادة، فجلست مع الذين يعلنون عداءهم للشّريعة، وما روّضها إلاّ طعم المغالبة وخديعة مواجهة الاستبداد، ولقد تغافلت أو نُسّيت في خضمّ ضغوط الوهن والشّبهة والشّهوة أنّ المعلنين لعدائهم للشّريعة هم الجزء الأكبر لمشكلة تونس ولا يكونون حلاّ أو طرفا فيه أبدا، وأنّ ظلم الشّرك والكفر بالله تعالى الذي يعلنه حمّة الهمّامي الحليف الجديد لحركة النّهضة هو أعظم من الظّلم السّياسي ألف مرّة، لقوله تعالى"إنَّ الشّرك لظلم عظيم"7. لقد طوّعت حركة النّهضة للتّطبيع مع حركات الرّدّة، فمتى تفيق وتقف على حلّ مشاكلها الحقيقيّة؟
إنّ هذه الحركة مع الأسف الشّديد صارت رهينة وأداة تحقّق أهداف وأجندة اليسار المجاهر لعقيدة شعبنا المسلم، واستدرجت إلى محرقته ضمن وَهْمِ "وفاق عام"، وشركاء الدّيمقراطيّة والوطن، فاستدرجوا لتقديم أنفسهم كنيسة تونسيّة تمثّل الإسلام فتصدّق على"مواثيق" تطعن في الشّريعة، وتتقرّب إليهم بتقديم الدّين قربانا لليسار يفعل به ما يشاء، وشهدوا معه على الزّور وأمضوا على الباطل، قال تعالى:"قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ "8.
لقد هدّد الله وتوعّد نبيّه إذا هو تبع أهواء المخالفين لشريعة الإسلام مهما كان لونهم، وبيّن له أنّه إن فعل ذلك يحشر في الظّالمين، فقال عزّ وجلّ:"وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّاَتَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ"9، وأمره أن يحكم بما أنزل الله ولا يتّبع أهواء أعداء الشّريعة وحذّره من أن يفتنوه عن بعضها فقال سبحانه"وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ" 10، وجعل اتباع الهوى ضلال موجب للخسارة في الدّنيا وللعذاب الشّديد في الآخرة "وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"11، "وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً 74 إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا 75 "12
تنازلات قاسية بخسائر جمّة
إنّ منهج التّنازلات القاتلة التي تقدّمها حركة النّهضة لحلفاء المرحلة أعداء الأمس هي بلا شكّ أضخم وأعلى تكلفة من التّنازلات التي يتطلّبها إصلاح ذات البين، لا مع السّلطة التي لم تحرجهم إلى تنازلات قاسية مماثلة من خلال إمضائها "على الميثاق الوطني" سنة1989، ولكن مع أفرادها الذين مارست عليهم أقصى أشكال الاستبداد والقمع، لمّا هبّوا بعمليّة الإصلاح داخل جهاز مثقل بالأهواء.
إنّ ما أقدمت عليه حركة النّهضة ما هي إلاّ تنازلات خطيرة ممهورة بالشّرف، وأعظمها بلا منازع استباحتهم للشّريعة وتستّرهم على ردّة اليسار وتزكيتهم لصقوره، وإذا كان ينتظر من السّياسيّ الأهوائيّ أن يتنازل من أجل ثوابت سياسيّة في مراحل معيّنة وفي لحظة تاريخيّة دقيقة حرجة، فإنّ السّياسيّ الشّهم والجادّ هو الذي لا يقدّم تنازلات سياسيّة على حساب ثوابته السّياسيّة أبدا مهما كانت الأحوال، فكيف يقدم هؤلاء على تنازلات عقائديّة مقرّرة قطعيّة معلومة من الدّين بالضّرورة، من أجل مسائل سياسيّة ظنّيّة وهميّة هلاميّة.
لقد تنازلت تلك الحركة من طرف واحد، دون أن تشترط على المقابل تنازلات مماثلة أو هيّنة، بل تنازلت دون ثمن إلاّ أن يقبلوا بها ضمن شريك في معارضة غير مكتملة على حساب العقيدة والشّريعة، لأنّ بعض هؤلاء الذين تحالفت معهم ما قاموا إلاّ لمحاربة حكم الله عزّ وجلّ.
إنّ حركة النّهضة قدّمت تنازلات قاتلة، ضمن صفقة وتسوية وضمن شروط وهي مسائل لا تليق بعقائديّين. وحقيقة هذه الصّفقة أن تقبلوا بنا شريكا سياسيّا، وللدّين ربّ يحميه! والمهمّ عندنا أن لا تتركونا وحدنا،. و من هان بإبعاد العقيدة سهل الهوان عليه! وانظر ما تفعله نجاسة السّياسة بالإسلاميّين الأتراك الذين تعلي من شأنهم أمريكا والكيان الصّهيوني، حتّى رضوا أن يكونوا وسيطا أمينا لحلّ الاشتباك مع السّوريّين، والله المستعان!!!
ائتلاف 18 أكتوبر لا يرجى منه خير ومصيره إلى زوال
لقد راهنت حركة النّهضة من قبل على غيرها من السّياسيّين ولم تفلح وخدعت المرّات العديدة ولدغت من نفس الجانب ولم تتوقّّف عن ذلك المنهج، واصطفّت تحت راية تحالف مشبوه ومخادع، وإنّ الانضواء تحت لافتة هيئة 18 أكتوبر ما هو إلاّ اتفاق استسلام كامل وغير محدود، وإنّ المستفيد الأكبر من هذا التّحالف الهشّ هو اليسار،لأنّه استدرج تلك الحركة إلى كسر عظامها عبر الاستسلام المتواصل، وهب فرضا أنّ اليسار لا يريد أن يوقع حركة النّهضة في مسلسل التّنازلات المذلّة، فهل يساوي حجم تلك التّنازلات القاسية حجم ذلك الاعتراف المهين؟ اللّهمّ لا!
إنّ اليسار لا يتنازل على حساب عقيدته المعادية للدّين والكارهة للإسلام والطّاعنة فيه، وإن تنازل فهي تنازلات محدودة جدّا وغير مهمّة من قبيل أن رضوا بالتّعامل مع حركة النّهضة، وهذه التّضحية المضحكة لا تقاس بضخامة وفداحة ما تقدّمه حركة النّهضة بالمجان.
إنّه لا نتجنّب الحقيقة إن قرّرنا بعد تلك التّنازلات المهينة أنّ صقور هيئة 18 أكتوبر هم الذين صاروا يحدّدون ويضبطون سياسات حركة النّهضة ومناهجها، حتّى كأنّها ما عادت إلاّ قيادة تمضي على ما يقرّره مرتدّو تلك الهيئة.
إنّ العلاقة مع هيئة 18 أكتوبر بتلك الأفخاخ جعلت القوم يتخبّطون في سوء تقدير الموازنات، و نحن لا نخدع بزعمهم أنّهم يريدون تحقيق مصلحة الدّعوة، لأنّ العاقل لا يحقّق مصالح للدّعوة بالطّعن في مبادئ الدّعوة وثوابتها،إنّها مصالح موهومة لتحقيق حظوظٍ ذاتيّة خاصّة تصبغ ويخلع عليها رداءُ الشّرعيّة، تلبيسًا وتمويهًا.
ليست هذه التّنازلات مصادفة أو ظرفيّة، بل هي منهج قائم ورغبة جامحة حتّى صارت ثقافة التّنازلات من طبيعة المختطفين المثقلين بنظرتهم القريبة القصيرة المكبّلين بأوهام المصلحة الضّيّقة، إنّهم أدمنوا التّنازلات، والتّنازلات الإضافيّة التي لن تنتهي طالما أنّها تسيل لعاب ذئاب أعداء الشّريعة الكثيرين في تونس الطّامعين في تجريد كلّ حركة إسلاميّة من هويّتها وسلخها من عقيدتها حتّى يكونون سواءا ...
ليعلم الواهمون في حركة النّهضة، أنّها لن تحصل في ظلّ غموضها وبراجميّتها على شرعيّة سياسيّة أبدا، مهما كانت تبريراتها الضّعيفة المرتعشة، ولتعلم أيضا أنّ النّخبة لن تطمئنّ إليها ولن تركن لها مهما زيّنت خطابها ومهما كانت تنازلاتها،وهي بغلوّها في تفريط دينها ستخسر كلّ شيئ، لأنّها سلكت منهجا لا يحقّق لها احتراما من أحد.
إنّ ما بني على خطإ يؤدّي إلى خطأ بالضّرورة، وإنّ تنازلات النّهضة غير ملزمة لمسلم أبدا ومنهج مرفوض من حيث المبدأ والمسار، طالما أنّ فيه تحدّيا للإلاه المعبود إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فهي بالتّالي مرفوضة من طرف كلّ مسلم أبيّ متحرّر من التّعصّب وبريء من المطامع، وإنّ تبعات تلك الصّفقات تتحمّلها تلك الحركة وحدها يضاف إلى سجلّ هزائمها الضّخمة المتتالية.
إنّ القوم مع الأسف الشّديد يهدرون أوقاتهم الثّمينة وهم مرتهنون لأهوائهم، فأكلوا أنفسهم، وكسّروا عظامهم، وهذا من أعظم نتائج الإعراض عن الثّوابت القطعيّة "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا" 13
لا تتّهمنا أيّها القارئ الكريم أنّنا نهوى مقاطعة السّياسيّين، بل اللّقاء مع المخالف مهما كان ليس إثماً في ذاته ولا يدان به شخص أو جماعة، وإنّما يأثم ويدان من يفرّط في شيء من عقيدة أو أمر واحد من أمور الشّريعة، أو يقرّ عقيدة باطلة أو ينال من كرامة مسلم أو يتّفق معهم ضدّ مصلحة المسلمين، أو يتعاون معهم على الإثم والعدوان، أو مثل ذلك ... وبعبارة أخرى أن لا يكون على حساب العقيدة والدّعوة والولاء للمسلمين. "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً"14.
فالحاصل أنّ قيادة حركة النّهضة واليسار المرتدّ الرّفاق الجدد لتلك الحركة هما وجهان لعملة واحدة، حرّفت الأولى مشروع الحركة الإسلاميّة إلى سياسيّ بحت، وانفلتت عن ضوابط الشّرع وتخلّت عنه، بتعلّة العمل للدّين، كما تجرّأ الملحدون بالطّعن في ديننا والنّيل منه بتعلّة التّجديد والإصلاح.
إنّ هذا الذي ذكرناه في هذا المقال غيض من فيض نريد من خلاله الإصلاح ببيان ما نراه حقّا أنّ حركة النّهضة تاهت عن منهج ربّها، وأنّها باتت مستعدّة للمساومة على كلّ شيئ، وهذه حقيقة مؤلمة ومكلّفة. والله المستعان.
باريس في 24 شعبان 1429 الموافق ل26 أوت 2008
1 هيئة معارضة للسّلطة في تونس تتشكّل من تيّارات فكريّة وسياسيّة إسلاميّة وعلمانيّة ملحدة وغير ملحدة، أبرزها الحزب الدّيمقراطي التّقدّمي والتّكتّل من أجل العمل والحرّيات وحزب العمّال الشّيوعي التّونسي وحركة النّهضة ".
2 آل عمران 152
3 المائدة 52.
4 القصص 57.
5 البقرة 120.
6 هو بيان قذر فيه من السّوء والمنكر العظيم الذي أقلّ ما يقال فيه ردّة عن الإسلام ممّا جاء فيه:"....
" حققت المرأة التونسية مكاسب هامة على طريق تحررها كإنسان ومشاركتها على قدم من المساواة مع الرجل في مختلف مجالات الحياة، وجاءت هذه المكاسب ثمرة لحركة الإصلاح التي حمل لواءها مفكرون ومصلحون كبار كان لهم شرف الدفاع عن تعليم المرأة وتحريرها والنهوض بأوضاعها كما جاءت ثمرة لنضال دؤوب خاضته حركات نسائية من مختلف المشارب الفكرية عملت على مدى القرن الماضي على فك عقال المرأة وإخراجها إلى الحياة العامة.
ويأتي في مقدمة هذه المكاسب ما تضمنته مجلة الأحوال الشخصية من حقوق وإصلاحات ساهمت في الحد من مظاهر الحيف والتمييز ومن أسباب التوتر في العلاقات الأسرية من ذلك أن منعت مجلة الأحوال الشخصية تعدد الزوجات وأقرت التراضي أساسا لقيام عقد الزواج واعتبرت المرأة أهلا لتزويج نفسها دون ولاية من أحد وحددت سنا دنيا للزواج ووضعت بذلك حدا لتزويج القاصرات اللائي لم تتجاوزن سن المراهقة كما سنت المجلة حالة من التساوي بين المرأة والرجل وأخضعت الطلاق إلى مراقبة القاضي وشرّكت المرأة في إدارة شؤون الأسرة ووسعت من حالات إسناد المرأة الجنسية التونسية لأبنائها من أب أجنبي.
وفي مجال التربية والتعليم ..... عمّت المدارس المختلطة للبينين والبنات وبذلك زالت مظاهر التمييز بين الجنسين في مستوى التعليم وتساوت نسب التمدرس بينهما وتطورت صورة المرأة لدى الناشئة.
وفي ميدان الشغل ......جاءت القوانين التونسية في مجال الشغل والتغطية الاجتماعية مطابقة لأغلب المعاهدات الدولية التي سنتها المنظمة العالمية للشغل وصادقت عليها البلاد التونسية. وبذلك فتح عالم الشغل أمام المرأة التي لم تترك مجالا من مجالات النشاط الاجتماعي إلا واقتحمته وتقلدت المرأة مختلف أنواع الخطط والمهن وأثبتت فيها كفاءة وجدارة ساهمت بشكل فعال في تطوير العقليات وتخليصها من التقاليد البائدة المحقرة للمرأة.
وفي مجال الحقوق المدنية والسياسية سوّت القوانين والمبادئ الدستورية أيضا بين المرأة والرجل من حيث الأهلية للقيام بالعقود المدنية والإجراءات القضائية ومن حيث الذاتية المالية للمرأة ومنحتها القوانين حق الانتخاب والترشح إلى مختلف الخطط واعترفت لها بحرية التنقل والسفر وفي تحمل المسؤوليات النيابية والحكومية وفي المشاركة في الحياة الجمعياتية وفي الأحزاب والمؤسسات السياسية المختلفة.
إن هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات إذ تتمسك بكل هذه المكاسب التي جاءت في سياق حركة إصلاحية اجتهادية تنويرية ومتفقة مع المواثيق الدولية حول حقوق المرأة والتي ساعدتها على تحقيق إنسانيتها وتخليصها من القيود الثقافية والاجتماعية لعصور الانحطاط وأسهمت بذلك في تحرير نصف المجتمع وتحديثه مع الحفاظ على مقومات هويته الحضارية الخصوصية، وإذ تؤكد عزمها الراسخ على الحفاظ على كل هذه المكاسب والدفاع عنها في وجه كل تهديد وعلى مواصلة الحوار بروح وطنية بناءة حول القضايا الخلافية العالقة مثل مسألة المساواة في الإرث أو الموقف من التحفظات التي أبدتها الدولة التونسية حيال بعض الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة فهي تعتبر أن وضعية المرأة ما زالت تتطلب الكثير من التطوير والتحسين حتى تتحقق المساواة الكاملة بين الجنسين نصّا وممارسة وينتفي كل تمييز بين المواطنين على أساس الجنس.
ففي مجال الأحوال الشخصية ودعما لسلامة الأسرة ودورها في المجتمع يتعين تعميق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين واعتبارهما شريكين متعاونين في إدارة شؤون العائلة ورعاية الأبناء واختيار محل الزوجية وإسناد الجنسية لأبنائهما وذلك بتخليص المجلة وسائر القوانين من رواسب التمييز المكرسة لدونية للمرأة، كما يتعين الرفع في السن القانونية الدنيا لزواج المرأة إلى ثمانية عشر عاما وهي السن القانونية التي تنتهي فيها فترة الطفولة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.