...كثيرا ما توصف سياسات الادارات الأمريكية المتعاقبة جمهورية كانت أم ديموقراطية بأنها غير متوازنة وغير عادلة في التعاطي مع مسألة الصراع العربي الإسرائيلي وبصفة خاصة مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى حد أن الكثير منا عادة ما يتهمها بممارسة سياسة المكيالين لفرط وقوفها الدائم إلى جانب إسرائيل ومناصرتها للاحتلال وجرائمه اليومية التي يندى لها الجبين في خرق واضح وصريح لكل القرارات الأممية ذات العلاقة وكل الشرائع الانسانية والقيم النبيلة التي تؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها. صحيح أن كل هذه النعوت والاتهامات للادارة الأمريكية لا تجانب الصواب في جزء كبير منها نظرا لعدم حيادها في لعب دور الوسيط النزيه بخصوص الصراع في الشرق الأوسط لكن يبقى كل هذا الكيل الهائل من الاتهامات والنعوت المتعددة لواشنطن لا يعبر في الواقع إلا عن عواطف ساذجة وأدمغة معلبة بأوهام لا تدرك الخفايا والمستندات السرية للوقوف الدائم للادارات الأمريكية إلى جانب الحكومات الإسرائيلية وتجندها وتوظيفها المؤسسات الدولية لتضليل الرأي العام العالمي وتعطيل أي قرار من شأنه أن يمس بسياسات ومصالح الدولة العبرية. إن المواقف الأخلاقوية التي توزع يوميا سيلا كبيرا من الاتهامات لسياسة إسرائيل ومن ورائها الادارة الأمريكية هي مواقف كفت في الواقع عن انتاج سبل المناعة والقوة والمعرفة والعلم لتعيش على اطلال وأساطير أن السلام الحقيقي هوالسلام الذي ضيعناه وما علينا اليوم إلا الرضوخ لسياسة الأمر الواقع التي تمارسها إسرائيل، أو انتظار جني صدفة والاعتقاد أن الجنان الحقيقية هي الجنان التي لم تطأها أقدامنا بعد، بدل رصد مراكز القوى وتحديد مناطق النفوذ الحقيقية المتحكمة في البيت الأبيض. وحده الوقوف أمام الذات ومرآة العصر الكفيل بأن يجعل الشعب الفلسطيني والشارع العربي بشكل عام يدرك طبيعة اللوبي الإسرائيلي والنفوذ المتنامي لجماعات الضغط هذه وقدرتها على ابتزاز المؤسسات الأمريكية والتلاعب بحق الشعب الفلسطيني لما لها من تأثير بالغ الأهمية في تحديد المواقف الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. في الواقع ان تزامن خفض الكونغرس الأمريكي حجم المساعدة التي طلبها جورج بوش للسلطة الفلسطينية بنحو النصف الأسبوع الماضي (من 410 ملايين دولار لعام 2008 إلى 218مليون دولار) يعكس في الواقع الدور البارز الذي يلعبه اللوبي الاسرائيلي حيث دعا معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وهو عبارة عن مؤسسة فكرية للوبي الإسرائيلي الحكومة الأمريكية إلى تخفيف الاعباء المالية التي تتحملها أمريكا وأوروبا كمساعدات للسلطة الفلسطينية وهو ما يعني ضمنيا الحيلولة دون وصول أي جزء من المساعدة إلى أي من المؤسسات التي تخضع لاشراف وسيطرة حركة «حماس» في غزة وهو ما يعني أيضا حرمان قطاع غزة من الاستفادة من المساعدة المالية الأمريكية. وتكريسا لهذا النفوذ والتغلغل لجماعات الضغط الإسرائيلية داخل الولاياتالمتحدة أكدت منظمة ايباك التي تمثل اللوبي الاسرائيلي بواشنطن في بيان بهذا الشأن أنه من أجل ضمان أقصى محاسبة وشفافية كاملة فإن الكونغرس قد طلب تدقيقا لمالية السلطة الفلسطينية الى جانب مطالبة الرئيس الأمريكي بتقديم تقرير حول الخطوات التي قامت بها السلطة لاعتقال ما تسميه ارهابيين ومصادرة أسلحة وتفكيك ما تدعي أنه البنية التحتية للارهاب في اشارة الى فصائل ومنظمات المقاومة الفلسطينية في الضفة وغزة، هذا الى جانب فقرة جديدة في سلم العديد من الشروط تمنع دفع رواتب إلى سكان غزة منعا لتكرار «الخطأ» في الصيف الماضي عندما تم تحويل رواتب للمئات من أفراد القوة التنفيذية لحماس بعد سيطرة هذه الحركة على قطاع غزة في جوان الماضي. في الحقيقة ان مراكز الضغط الإسرائيلية المتخفية وراء سياسة الولاياتالمتحدة هي التي تدفع باستمرار إلى خنق الشعب الفلسطيني وتجويعه بدل توفير حاجياته المالية الأساسية وانهاء الاحتلال وتطبيق قرارات الأممالمتحدة وخاصة القرار 194 الذي يقضي بإعادة اللاجئين الى ديارهم وتعويضهم حتى يتسنى لهذا الشعب أن يحقق حلمه في العيش مثل بقية الشعوب بعيدا عن القتل اليومي وسياسة الحصار المتواصل والحواجز التي تسد الطريق عن ا لطريق.