أعاد تراجع الادارة الأمريكية عن ايجاد حل لأزمة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، واعلانها أنها فشلت في لجم الهجمة الاستيطانية الاسرائيلية، الى الأذهان قدرة اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة على تسيير السياسة الخارجية الأمريكية وتوجيهها نحو خدمة المصالح والأجندة الصهيونية. وقد تعرض جون مير شهايمر وستيفن والت وهما من كبار الأكاديميين الأمريكيين في السياسة الخارجية الأمريكية الى مدى نفوذ منظمات اللوبي الصهيوني وقدرتها على صناعة القرارات الأمريكية. وفي كتابهما «ترويض القوة الأمريكية» قدم مير شهايمر وستيفن والت عرضا وشرحا لنشاط منظمة «أيباك» الصهيونية وهي اختصار للتسمية الانقليزية: «American Israel Public Affairs Committee» وقد تأسست في عهد الرئيس الراحل ايزنهاور عام 1953 وكان اسمها اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة قبل أن تغيّر اسمها الى ما هو عليه الآن بعد تدهور العلاقات الصهيونية مع ايزنهاور. ويشير الأكاديميان الأمريكيان الى أن وجود نواب يهود وأيضا نواب من تيار المسيحيين الصهاينة في الكونغرس الأمريكي، عدّل بوصلة المصالح نحو اسرائيل، حتى أن البعض منهم جاهر بأن الأولوية الأولى بالنسبة اليهم في السياسة الخارجية هي حماية اسرائيل مع أن المرء مجبر بحكم الانتماء والجنسية الأمريكية أن تكون الأولوية الأولى هي «حماية أمريكا». وهناك أيضا أعضاء من الكونغرس ومجلس الشيوخ من اليهود، يعملون لجعل السياسة الخارجية الأمريكية تدعم مصالح اسرائيل. ويعد الموالون لاسرائيل من العاملين في الكونغرس مصدرا آخر لقوة اللوبي، فكما أقر أحد قادة ايباك: «هناك عدد كبير من الموظفين في الكونغرس من اليهود ينظرون الى بعض القضايا من منظور يهوديتهم... يمكنك الحصول على الكثير عند مستوى الموظفين». لكن ايباك ذاتها هي التي تشكل مركز تأثير اللوبي في الكونغرس. ويرجع نجاح هذه المنظمة الى قدرتها على مكافأة المشرعين والمرشحين للكونغرس الذين يؤيدون أجندتها، وقدرتها أيضا على معاقبة الذين يتحدون هذه الأجندة. ان المال هو عصب الانتخابات الأمريكية، وتضمن ايباك أن يحصل أصدقاؤها على دعم مالي قوي. كما تنظم حملات كتابة رسائل وتشجيع رؤساء تحرير الصحف على تأييد المرشحين الموالين لاسرائيل. ولا شك في فاعلية هذا التكتيك، ويكفي هنا سرد مثال واحد عليه، في عام 1984 عملت «ايباك» على اسقاط السيناتور تشارلز بيرسي من الينوي، الذي أبدى «تبلدا بل وعداوة تجاه قضايانا»، بحسب رئيس ايباك في ذلك الوقت قائلا: «كل اليهود في جميع أنحاء البلاد تجمعوا لاسقاط بيرسي.. وفهم السياسيون الأمريكيون الرسالة، أولئك الذين يحتلون مواقع عامة حاليا وأولئك الذين يطمحون اليها». ان تأثير ايباك يتجاوز ذلك، فكثيرا ما تتم مناشدتها لكتابة مسودات الخطابات والعمل والتشريعات وتقديم النصيحة في ما يخص التكتيك، والقيام بأبحاث (...). والنقطة الجوهرية هي أن ايباك، التي هي في الواقع عميل لحكومة أجنبية، لها قوة كابتة لحرية العمل والتعبير في الكونغرس الأمريكي. ويستحضر الكاتبان في هذا السياق تصريحات لرئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق ارييل شارون قال فيها: «.. عندما أسأل كيف يمكن للأمريكان مساعدة اسرائيل، أقول لهم ساعدوا أيباك..». أصوات الناخبين وينتقل مير شهايمر وستيفن والت من الحديث عن تأثير اللوبي الصهيوني في السياسة الخارجية وفي التشريعات الى الحديث عن قوة وتأثير اللوبي الصهيوين في أصوات الناخبين، وترجيح كفة هذا المرشح على حساب آخر، وصناعة الرؤساء، وإسقاط من يخالف الأجندة الاسرائيلية. فبرغم أن اليهود في الولاياتالمتحدة أقلية مقارنة بإجمالي عدد السكان (حوالي 3٪ من اجمالي سكان أمريكا) إلا أن تأثيرهم كبير. وتشير الاحصائيات الى أن الديمقراطيين مثلا يعتمدون على مؤيديهم من اليهود لتوفير نحو 60٪ من أموال الحملة الانتخابية، والأمر أيضا يشمل الجمهوريين، ولذلك يحرص المرشحون على عدم إثارة عداوة الناخب اليهودي. يُذكر أن عدد أعضاء منظمة «أيباك» وهي من أقوى اللوبيات في أمريكا يقدر بنحو 100 ألف عضو أو يزيد عن ذلك بقليل، أما ميزانيتها السنوية فتتجاوز أحيانا كثيرة ال50 مليون دولار.