تحت أنظار وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا الذي لم ينجح في اخفاء مشاعرالحسرة التي خذلته وكشفتها عدسات المصورين في عينيه ، وقبل أسبوعين من الموعد المحدد للانسحاب طوى الجنود الامريكيون علم بلادهم الدخيل عن بلاد الرافدين ليرفع محله وبعد تسع سنوات من الاحتلال علم العراق فهل سيكون ذلك ايذانا بفتح تاريخ جديد في البلد الذي تحمل حتى الآن ثمن الاحتلال مضاعفا ودفع من دماء وأرواح وكرامة أبنائه أم اعلانا بدخول العراق زمن التناحروالاقتتال والتقسيم الطائفي؟ لسنا نريد أن نفسد على أهل العراق فرحتهم برحيل لاحتلال غير مأسوف عليه، فليس هناك أسعد من أن يستعيد العراق سيادته وحقه المشروع في تقريرالمصيربعيدا عن كل وصاية أجنبية في أعقاب نحوعقد من الزمن تكبد فيه العراق من الخسائرالبشرية والمادية وشهد خلاله من الخراب والدمارما دفع البلاد الى حافة الانهيار، كل ذلك بدعوى البحث عن ترسانة أسلحة الدمارالشامل العراقية التي تهدد الامن والسلم العالمي.. لقد وجد كولن باول وزير الخارجية الامريكي أنذاك في دراسة لطالب جامعي مغمور بشأن اسلحة مفترضة للعراق ضالته فاستعرض في جلسة طارئة لمجلس الامن الدولي تابعها العالم لحظة بلحظة مخاطر تلك الاسلحة مطالبا الدول الاعضاء الدائمة العضوية بضرورة التدخل العاجل وقبل فوات العالم لانقاذ العالم ،أما بقية الحكاية فمعروفة حيث بات العراق مستباحا بعد أن غزاه الاف الجنود الامريكيين.و مع سقوط القصورالرئاسية تباعا وتلاشي عقدة أسلحة الدمارالشامل تحول عنوان الاحتلال الى الفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الاوسط الجديدة والديمقراطية الموعودة على ظهر الدبابات... وعلى مدى سنوات الاحتلال ظل البنتاغون حريصا على رصد وتسجيل اسم كل جندي أمريكي يقتل في العراق وكل جندي يصاب واحتساب كل طائرة تسقط أو دبابة تدمر أو لغم يفجر وفي المقابل فقد بقيت حياة العراقي بلا ثمن وظل حتى الان عدد الضحايا من أبناء العراق أمر مجهول وسر من أسرار كثيرة رافقت الحرب على العراق، وإذا كانت بعض المنظمات الحقوقية ذهبت الى أن عدد الضحايا العراقيين قدر بست مائة الف فان أخرى ذهبت الى أن الضحايا العراقيين تجاوزالمليون ضحية كل ذلك دون اعتبار لما خفي من فضائح أبوغريب ومسلسل الانتهاكات والاعتداءات الحاصلة على ذاكرة العراق وكنوزه التاريخية وحصونه وقلاعه ومناراته العلمية...كم سيمضي من الوقت قبل أن ندرك حجم الدرس العراقي وافلاس النموذج الديموقراطي للعم سام الذي لم يكن ليفوت مناسبة دون أن يؤكد اصراره على اعادة بناء العراق واعماره بعد الخراب الذي لحق به... «المهمة أنجزت»، كلمات رددها الرئيس الامريكي السابق وقد كان يخيل اليه أنه بات سيد العراق الجديد قبل أن يصفعه حذاء الصحفي منتظر الزيدي وهو يعيده الى الامر الواقع بأن العراق ليس للبيع... ربما آن الاوان وبعد اعلان الانسحاب الامريكي من العراق ان تتجه الى الجهود للمطالبة بمحاسبة ومحاكمة بوش الابن والذي كانت منظمة هيومان رايس ووتش طالبت الدول الافريقية باعتقاله اذا وطأت قدماه ترابها ،والرئيس الامريكي السابق الذي أجرم في حق العراق ليس أفضل من الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي تمت محاكمته على بضع ملفات فساد عندما كان عمدة باريس وليس أفضل من كل الطغاة الذين يحاكمون أو سيجلبون للمحاكمة...