- استبعد ياسين الحاج صالح الكاتب والمعارض السوري أن يحدث إرسال المراقبين العرب إلى سوريا تأثيرا حاسما في مجريات الأمور، وأكّد أنّ النظام السوري سيستمر في القتل والمراوغة حتى آخر لحظة. كما يرى أنّ الثورة السورية سائرة نحو العسكرة شيئا فشيئا باستمرار سياسة العنف التي يعتمدها النظام. ويتوقع أن تؤدي الضغوط الحالية إلى سقوط الأسد في غضون العام الجاري، بعد أن يفقد سيطرته على أهم أجهزة الدولة. *كيف تقرأ تطوّر الأوضاع في سوريا إلى حدّ اليوم؟ بعد تسعة أشهر ونصف من تفجرالثورة، مازالت الاحتجاجات الشعبية مستمرة، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الحديث لسوريا والعالم العربي، بالرغم من الاستخدام المفرط للعنف الذي اعتمده النظام، إذ سقط نحو 6000 شهيد إلى حد اليوم. أما العنصرالجديد فهو بدء مهمة المراقبين العرب، وأشك في أن تحدث هذه المهمة تغييرا حاسما. سيستمرالنظام في القتل والمراوغة، كما أنّ الثورة ستستمر دون أدنى شك.. وقد يبرزبعدها العسكري أكثر فأكثر بقدرما يشعرالشعب السوري أنه متروك لمصيره أمام حكم «عصابة» قاتلة، معدومة الضميرإنسانيا ووطنيا. وتزامنا مع ذلك يزداد الوضع الاقتصادي تدهورا، كما أن مؤسسات الدولة تتفكك. وإذا لم تتوقف كل تلك المظاهرفإن عام 2012، ربما يكون عام انهيارواسع على مستويات عدة. وسيأتي وقت لن يتمكن فيه النظام من السيطرة على أجهزته. * يرى محللون أنّ تفجيرات دمشق مثلت ورقة جديدة يستخدمها النظام ضدّ الثورة السورية، كيف تعلق على ذلك؟ لا أشك أبدا في أن النظام السوري هو المسؤول عن التفجيرين. فهو لا يملك غير سلعة الأمن يحاول بيعها للسوريين والعالم، لكن السوريين كسروا جدار الخوف وباتوا يطلبون سلعة أخرى، وهي الحرية. وعلى كل حال أظهر النظام تخبطا شديدا في روايته حول التفجيرين، فبعد أن سارع خلال دقائق إلى اتهام تنظيم القاعدة، أعلن موقع نسب الإخوان المسلمين مسؤولية الجماعة عن التفجيرين، لكن سرعان ما ظهر أن الموقع من تصميم المخابرات السورية. ومعلوم أن التفجيرين وقعا صباح اليوم التالي لوصول المراقبين العرب إلى دمشق. وهي محاولة للتأثيرعليهم وتوجيه ملاحظاتهم في اتجاه معين. *كيف تقيم تماسك المعارضة وتجانسها أمام النظام؟ أميز عادة بين المعارضة التقليدية المكونة من تنظيمات تنحدر أصلا من التيارات الإيديولوجية الكبرى التي عرفها المشرق العربي بعد الاستقلال، والمعارضة الجديدة المتمثلة في الثورة، وهي أكثر شبابا على العموم، غير إيديولوجية وغيرحزبية. وتتفاعل المعارضة فيما بينهما عبرهيئات تنسيق متنوعة، وبعضها ذو توجه إسلامي واضح، دون أن يكون واضحا دائما إن كانت مرتبطة بالإخوان المسلمين أم لا. ويبدولي أنه من هذه التشكيلات الجديدة ستتكون الحياة السياسية في سوريا ما بعد «البعثية» وما بعد «الأسدية.» والمعارضة الجديدة هي التي تقوم بالثورة وهي التي تدفع الأثمان الباهظة في كفاحها. وهنا تحاول أطرالمعارضة التقليدية أن تستمد بعض الشرعية منها عبر إفساح مجال لبعض شباب الثورة في هياكلها. وتقديري أن هذه المفارقة ستتفجر على شكل تجاذبات وتوترات سياسية بعد زوال النظام. * بعد تكوين الجيش السوري الحرواستمرارالانشقاقات، هل تعتبرأنّ النظام لم يعد يحكم قبضته على الجيش؟ إلى حد بعيد مازال النظام مسيطرا على الجيش، فهو يقتل من ينشق أو من يشتبه في أنه يفكر في الانشقاق أو من يمتنع عن إطلاق النارعلى المتظاهرين، حسب تقرير»هيومان رايتس ووتش» الذي صدرقبل أسابيع. وقد مثلت انشقاقات الجيش منذ البداية تفتتا من المحيط والأطراف، وليس انقساما من المركز. إذ أنّ بنية الجيش السوري، والنظام السوري ككل، أشبه بكتلة من الأسمنت. ربما تتفتت من المحيط، لكنها تبقى متماسكة إلى اللحظة الأخيرة قبل أن تنهار وتتحول إلى حطام. * هل تعتبرأنّ التدخل العسكري أمروارد؟ لا بد من الإشارة إلى أنّ المجلس الوطني السوري لم يطالب قط بتدخل عسكري أجنبي لحل الأزمة السورية. لكنه طرح على الدوام مطلب حماية المدنيين السوريين، عبر بعثات عربية وأممية. المشكلة أن هاجس المجلس السوري- غير متجانس التكوين- هو حماية المدنيين الذين يتعرضون للقتل يوميا إلى جانب هاجس المصلحة الوطنية وتماسك البلاد واستقلالها. وهو لم يجد المعادلة التي تضمن تلبية هذين المطلبين المتعارضين حاليا. وباعتقادي، على المجلس أن يتحفظ حيال أية دعوات في المستقبل.
*إلى ماذا ستؤول الأوضاع في سوريا، برأيك؟ من الصعب تقدير ذلك، لكنّ الاحتمالات التي استبعدها في المدى المنظور هي أن يتوقف النظام عن القتل، أوأن تتوقف الثورة، أوأن يحصل تدخل عسكري دولي، أوأن يستعيد النظام حكمه «الاحتلالي» للبلد. أوأن يتحقق أي شيء حاسم من مهمة المراقبين العرب. أما الاحتمال الذي أرجحه هوأن تستمرالأوضاع الراهنة على ما هي عليه، ويستمرالجيش بالتفتت، وتتصاعد عسكرة الثورة تدريجيا وتتفاقم المصاعب الاقتصادية وتتفكك الدولة. فإن كانت هذه التقديرات صحيحة، أرجح أن ينهار النظام خلال هذا العام. *كيف ترى سوريا ما بعد الأسد؟ يتعلق الوضع في سوريا ما بعد الأسد بكيفية التخلص من النظام. في كل الأحوال أمامنا أوقات صعبة جدا. فالدولة والاقتصاد محطمان، والمجتمع ممزق والأجواء محتدمة، والنخبة السياسية ليست رفيعة المستوى. لكن أهم شيء الآن هو الاستمرارفي الثورة إلى حين التخلص من هذا البلاء الفظيع المسمى "النظام".