منجي الخماسي (أمين عام حزب الخضر للتقدم): سنة 2008 أرضية جديدة لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية نشكر جريدة "الصباح" لاتاحتها مثل هذه الفرصة لتقييم واستشراف الاراء والمقاربات حول الشأن المحلي والدولي وهو ما من شأنه أن يدعم روح التواصل والحوار والتشاور بما يُوفّر ضمانات حقيقيّة لخدمة المستقبل بأهدافه المتنوّعة.وربّما هذه الناحية تعكس أحدى الخصائص الّتي ميّزت سنة 2007 في وجود حركيّة إعلاميّة وصحفيّة لافتة في اتجاه مزيد من الجرأة في التعبير عن مشاغل البلاد وتطلّعات النخب والاحزاب ونحن نتطلّع أن يتواصل هذا الانفتاح الاعلامي بما يُحقّق تطوّر البلاد ونموّها. تحرّكات سياسيّة مُكثّفة ونحن نقول في حزب الخضر للتقدّم أنّ سنة 2007 كانت سنة متميّزة وغزيرة الانشطة والتحرّكات على كلّ المستويات، فهي سنة الاحتفال بخمسينية الجمهورية وخمسينيّة إصدار مجلة الاحوال الشخصية وعشرينية التحول ومرور عشرين سنة على بعث المجلس الدستوري وهي كذلك سنة انطلاق المخطط التنموي الجديد 2007-2011 وهذه المناسبات والاحداث احتلت منزلة ومكانة خاصة ولافتة بحكم التغيّرات الحاصلة على الصعيد الدولي وخاصة من حيث وقع التكتلات والتحالفات الاقتصادية والمالية وتأثيرات ارتفاع أسعار المحروقات وجلّ المواد الاساسيّة في الاسواق العالميّة على اقتصاديات الدول النامية والتي من بينها بلادنا وتواصل النزاعات والحروب والتوترات في أكثر من مكان في العالم، ومن المهمّ هنا الاشارة إلى أنّ واقع هذه الضغوطات كان جليا خلال سنة 2007 وهو ما أضرّ بمسار التنمية الشاملة في العديد من الدول النامية، لكن والحمد للّه فإنّ بلادنا تمكّنت من تخطّي كلّ أشكال التوتّرات والاضطرابات وأمكن لها تحقيق ومُراكمة عدد هام من المكاسب والانجازات برغم دقّة الظرف وصعوبة التغيّرات الحاصلة في أكثر من ميدان، إذ تواصلت في بلادنا مظاهر التنمية والانجاز دون تعطّل أو تأخير وهناك العديد من الانجازات في هذا الباب الّتي ربّما يطول مجال تعدداها أو حصرها، كما وفّرت سنة 2007 فرصا هامّة لوضع لبنات مهمّة لمشاريع كبرى بالاعتماد على استثمارات خارجيّة عملاقة فاقت تقديراتها الاوليّة الخمسين مليار دولار، وهي المشاريع الّتي ستُغيّر وجه البلاد وصورتها وستدعّم مكانتها في العالم كوجهة حديثة وعصريّة وكموطن للاستثمار الناجح والناجع، وهذا ما يطمئن على تحقيق مواطن شغل جديدة نأمل أن يكون جهازنا التعليمي والتكويني والجامعي قادرا على تلبيتها بالشكل الملائم بما يدفع ويُعزّز مجال التشغيليّة ويفتح أبوب واعدة لتشغيل الالاف من أصحاب الشهائد العليا والباحثين عن موطن رزق. وعي بالتحديات وتفاؤل بالمستقبل وأعتقد شخصيّا أنّ من أهم المكاسب التي خرجنا بها من سنة 2007 هو هذا الوعي المتزايد من الدولة ومن كل مكوّنات المجتمع المدني والسياسي بحجم وخطورة التحديات التّي تُواجه البلاد خاصّة من الناحية الاقتصاديّة والتنمويّة والحفاظ على القدرة الشرائيّة للمواطنين وأقول في هذا الباب وبكل مصداقية وصراحة انه لم يسبق لنا أن شاهدنا مثل هذه الرؤية في تشخيص المعوقات وفهم طبيعة الرهانات الواجب خوضها في الفترة المقبلة وتحديدا مع السنة الجديدة مثلما انعكس ذلك بشكل واضح في المداولات البرلمانيّة حول ميزانية الدولة لسنة 2008 حيث حدث جدل مهمّ دلّ على عمق التمشّي الاصلاحي والتحديثي الّذي تمرّ به بلادنا في إطار من الحوار والتشاور وتغليب المصلحة الوطنيّة العليا، إذ لم يعد اليوم أيّ شيء خافيا عن الانظار، هناك ضغوطات على ميزانية الدولة وهناك ضغوطات كذلك على القدرة الشرائية للمواطن وهناك كذلك تحوّلات مجتمعية متسارعة على أكثر من صعيد وتستهدف خاصة الفئة الشبابية وهناك تطارح لمقاربات وآراء مختلفة من مسألة التطوّر السياسي في البلاد وتقييم حجم ودرجة التقدّم في تجسيد التجربة التعددية والديمقراطية. أمّا على المستوى الاجتماعي، فلا بُدّ من الاشادة بالتزام الدولة بمواصلة سياسات الدعم برغم الصعوبات الموجودة مع الاقرار الجماعي بضرورة توجيهها أكثر فأكثر نحو مستحقيها ونحن مرتاحون لهذا الالتزام الذي سيدعم حظوظ الفئات الضعيفة ومحدودة الدخل وسيحمي بدرجة كبيرة القدرة الشرائية للمواطنين.ولا بدّ هنا من التنويه بالجهد الذي تبذله الدولة في تحفيز المبادرة الخاصة من خلال التشريعات والمزايا الجبائية والمنح وتوفير مناخ ملائم للاعمال وبحث المشاريع الجديدة في كامل جهات البلاد وخاصة في الجهات الداخلية. تأطير الشباب أولويّة مطلقة وبحكم عدّة أحداث شهدتها بداية سنة 2007 لعلّ أبرزها "أحداث المجموعة المسلّحة بجهة سليمان" أصبح هناك اقتناع لدى الجميع بضرورة الاهتمام أكثر بالفئة الشبابية والعمل على تأطيرها وضمان مشاركتها الايجابية في الشأن العام الوطني. الاحداث المذكورة حملت مخاطر حقيقية وكل المكاسب التي تحققت في بلادنا والتي من أبرزها أجواء الامن والاستقرار يمكن أن يقع المساس والاضرار بها، سقوط الشباب في مسالك التطرّف والمغالاة مع ما تم ملاحظته عبر الاستشارات المنجزة من عزوف واستقالة غالبية الشباب واتجاههم إلى انشطة فارغة فيها الانحراف والعنف ومرّات حتى الشذوذ أعاد بشكل واضح التركيز على وضع خطط شبابية لتحقيق النجاعة المطلوبة وإنقاذ الشباب ومن ثم البلاد، من العديد من المخاطر والتخوّفات ونحن على قناعة بأن القرار الرئاسي وضع سنة 2008 سنة للحوار الواسع مع الشباب سيمكن من تجاوز أجزاء هامة من هذا الاشكال المجتمعي والثقافي والحضاري الهام وسيمنح البلاد قدرات وروحا شبابية جديدة خلال السنوات المقبلة. استشارات وتعميق لسنّة الحوار وعلى الصعيد السياسي فإنّنا نقول في تقييماتنا أنّ سنة 2007 أفرزت العديد من المعطيات أولها أهمية البعد الاستشاري والحوار بين مختلف مكوّنات المجتمع والسلطة السياسية وأهمية تواجد معارضة قوية إلى جانب الحزب الحاكم في المشهد السياسي الوطني أما سياسيا، فسنة 2007 كانت سنة ذات حركية هامة كرّست الالتزام بالنظام الجمهوري والتمسّك بمبادئ 7 نوفمبر 87 بما فيها من تعددية وديمقراطية وحريات عامة وحقوق الانسان الشاملة، وعبّرت نتائج تلك التحرّكات أنّ المعارضة لا يمكنها إلا أن تكون معارضة وطنيّة وعقلانية وواقعية ومدافعة عن الخيارات الوطنية الكبرى تدعم الاصلاحات وتعاضد المجهودات وتبارك المكاسب وفي آن واحد تكون قادرة على النقد البنّاء وتقديم التصوّرات والمقترحات والبدائل والبرامج في جميع الميادين. وهذه قناعتنا في حزب الخضر للتقدّم المعارض لا يمكنها أن تكون إلا وسطية ومعتدلة ترفض القطيعة مع السلطة السياسية وترفض في آن واحد الموالاة العمياء والمصالح الشخصيّة والضيّقة، ونحن نعتقد جازمين بأنّ سنة 2007 قدّمت صورة جديدة عن هذه المعارضة خاصة من حيث المهام الموكلة إليها في دعم التعددية والتجربة الديمقراطية وتحقيق التواصل المثمر والبنّاء مع السلطة السياسية في البلاد خاصة في ظل التأكيدات الرئاسية المتتالية بحق الجميع في المشاركة السياسية والتعبير الحرّ وبرفض الاقصاء والتهميش، وفي هذا الباب نرى أنّ استجابة رئيس الدولة في خطاب العشرينيّة لعدد من المقترحات ومطالب المعارضة من أهمّ المكاسب التي تحققت سنة 2007 لانها أوضحت بما لا يدعو للشك أنّ تونس للجميع وان المؤسسة الرئاسية قادرة على استيعاب كل المقاربات والاراء وتشجيع القوى الوطنية لخدمة مستقبل البلاد. ونحن نأمل من سنة 2008 أن تكون سنة مزيد تعميق الحوار الوطني وسنة التأطير الفعلي للشباب وسنة رفع تحديات التشغيل والبطالة وتحقيق مفاوضات اجتماعية ناجحة تراعي قدرات الشغالين وارتفاع الاسعار وكسب رهان جودة المنتوج الوطني وتحقيق الاستثمارات الواعدة والطموحة ومزيد الاقتراب من المشاغل الحقيقية للمواطنين وإيجاد مقاربات علمية لمختلف المظاهر الاجتماعية والسكانية لتجاوز تأثيرات التغيّرات المناخية وتفادي أشكال الفيضانات وأضرار مياه الامطار الطوفانية واحترام الخصوصيات العمرانية والبيئية وأمثلة التهيئة الترابية، وإيجاد الحلول الملائمة لكلّ تلك المغيّرات عبر تحفيز البعد الاستشرافي ووضع برامج للانذار المبكّر بما يجنّب وقوع كوارث أو ما شابهها لا قدّر اللّه. القضيّة الفلسطينيّة في البال أما دوليا، فنحن نأسف لتواصل حالة التوترات والتهديدات الامنية خاصة في الشرق الاوسط وخاصة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ونأمل أن تكون سنة 2008 سنة استقرار الاوضاع في هذه البلدان العربية الشقيقة والتي تمرّ أساسا عبر تغليب المصلحة الوطنية ورفض الارتهان إلى الاملاءات الخارجية وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وننظر في حزب الخضر للتقدّم بعين التفاؤل إلى أن تحوز بلادنا المزيد من النجاحات والمكاسب وأن يتم استثمار الحركية التي تشهدها المنطقة المتوسطية عبر مختلف الهياكل والاطر من أجل مزيد تعزيز مكانة بلادنا في المنطقة وفي العالم واستثمار فرص التعاون وانجاز المشاريع الكبرى في كل الميادين بما سيجعل البلاد قادرة على بلوغ أهدافها التنمويّة والّتي على رأسها بلوغ نسبة نموّ سنويّة ب6% خلال الخماسيّة القادمة وهذا لن يكون صعبا بحكم الوعي الموجودة والارادة الّتي تحدو الجميع للعمل وتغليب المصلحة الوطنيّة.