عرضت المسرحية الفلسطينية -الكراسي- المقتبسة عن نص الروماني الفرنسي "يوجين يونسكو" مساء أول أمس بفضاء التياترو بالعاصمة. مسرحية تنتمي الى مسرح وسينماتاك القصبة -مؤسسة ثقافية فلسطينية غير حكومية -. أول من أخرجها كان جوليانو مير خميس الذي تم اغتياله بالرصاص قبل أشهر قليلة لأسباب مجهولة ليتقمص دور الإخراج من جديد جورج إبراهيم ويمثل في الآن نفسه رفقة كل من نسرين فاعور وإلياس نيقولا. ما لم يكن متوقعا في هذا العرض هو انسياقه تجاه العبثية واللامعقول والغرابة بعيدا عن الشعارات السياسية أو أية إشارة الى معاناة الشعب الفلسطيني أو ايحاءات ترمز الى ربيع الثورات العربية. صراع الفراغ الأنطولوجي كأن جورج إبراهيم في مسرحية -الكراسي- أراد أن يثبت للجماهير أن وضع الشعب الفلسطيني وأي مضطهد في العالم لا ينبغي أن يجعله حبيس السياسة والنضال بل من حقه أن يعبر عن أحلامه وآماله وأن يستحضر عناصر أساسية لوجود الانسان محاولة منه في خلق تركيبة اجتماعية تحكمها الروابط الانسانية.. ذلك ما وظفه المخرج في فضاء التياترو خاصة وأنه اعتمد فلسفة يوجين يونسكو -صاحب النص الأصلي- بما أن أعمال هذا الاخير الدرامية تتسم باللامنطق واللاتواصل في كثير من الإحباط النفسي العالي رغم وجودها ضمن تركيبة اجتماعية. فكانت الشخصيات في المسرحية تعيش قلقا دائما وكأنها تحلم، حديثها فارغ يكاد يخلو من اللغة يترجم صراع الفراغ الانطولوجي في غياب تام لمفهوم الوجود المادي للذات. الكراسي وما توظيف الكراسي على الركح إلا عبارة عن دعوة إلى الإبحار في غياهب النفس العميقة، إذ عرج الزوجان في العرض المسرحي على الكثير من الأماني. أمان جسدت من خلال استقبال العديد من الضيوف من مختلف الشرائح الاجتماعية والمشاغل الفنية والمهنية من رسام وجنرال عسكري ونجار وحداد في محاولة لتجاوز الإحباط النفسي من خلال أحداث كأنها وهمية أو تأتي عرضا، منبعها الرئيسي هو الحلم والكابوس. جوانب من العمل تكشفها المناقشات التي تمت بعد العرض وكان قد نُظم لقاء بعد عرض مسرحية -الكراسي- جمع الممثلين مع البعض من الجمهور إلى جانب عدد من الصحفيين والممثلين ومحبي الفن الرابع في محاولة للوقوف عند مكامن الغموض بالنسبة لمن تعذر عليه فهم محتوى العرض، إضافة إلى توضيح ظروف العمل. المداخلة الاولى كانت بامضاء المخرج والممثل الفلسطيني جورج إبراهيم وقد أشار من خلالها إلى الظروف الصعبة التي مرت بها -الكراسي- نظرا لعدم التفاهم مع مخرج ألماني في مرحلة أولى بعد اغتيال المخرج الأصلي للعمل جوليانو نومير خميس مؤسس مسرح الحرية في مخيم جنين، ولم يبق آنداك سوى أسبوعين لإخراج المسرحية من جديد. لكن سرعان ما تم تجاوز الامر. كما أعلن جورج إبراهيم أن العرض هدية الى روح الفقيد وهو أقل ما يمكن تقديمه الى روحه الطاهرة. من جهة اخرى بين كل من إلياس نيقولا ونسرين فاعور وجورج إبراهيم -بعد تساؤلات عديدة من الجمهور حول مضمون العرض وأسباب عدم تطرقه الى القضية الفلسطينية أو الثورات العربية- أن المسرح إرث إنساني، ولا يمكن أن يتقوقع الفن الفلسطيني بكل أشكاله في المشاكل السياسية ولا بد أن يكون منفتحا على قضايا الإنسان لأن الفلسطيني يجب أن يتجاوز مسألة الاحتلال الاسرائيلي لتطوير مشاريع ثقافية متنوعة.