الاعلان عن الانصهار الفعلي لكل من «الحزب الديمقراطي التقدمي» وحزب «آفاق تونس» و«الحزب الجمهوري» في مبادرة لتكوين قوة ديمقراطية وسطية، الذي أتى وقتا قليلا بعد اندماج حزب «التقدم» مع حزب «آفاق تونس»، من المتوقع أن يكون خطوة أولى في مسار طويل من اندماجات وانصهارات ستشهدها الساحة السياسية التونسية قريبا. فقد مثّلت انتخابات 23 أكتوبر الماضي مِحكّا حقيقيا عرفت فيه الأحزاب المائة والستة عشر، الموجودة على الساحة، حجم كل واحد منها، كما تجلّت عبرها «ذهنية» الناخب التونسي وتوجهاته، إذ أنه عاقب أولا الأحزاب والوجوه التي تعاملت مع النظام البائد ولم تقاطعه نهائيا، كما عاقب تلك التي قبلت الدخول في حكومة محمد الغنوشي بعد الثورة، وكافأ تلك التي قمعها بن علي. كما تبيّن اثرها ألا ثقة للناخب في الأحزاب التي تكونت بعد الثورة وحاولت الركوب عليها دون تاريخ نضالي حقيقي سابق (علما وأن ظاهرة الهاشمي الحامدي تبقى خارج دائرة هذا التحليل). ودروس هذه الانتخابات يبدو أن الأحزاب الخاسرة فيها بدأت في استيعابها الآن للتخطيط للمرحلة القادمة حتى تحصّن نفسها وزعاماتها من التلاشي نهائيا. ولئن كان الاندماج بين عدد معين من الأحزاب «الصغيرة» أمرا إيجابيا، لأن من شأنه أن يمنحها القوة المادية واللوجستية والهيكلية التي أعوزتها خلال الانتخابات الماضية، والتي بزتها فيها حركة «النهضة»، فإنه يحمل أيضا في ذاته نقطة ضعف ذات بال، وهو الاختلاف الحتمي في الرؤى والتصورات والأفكار بين زعامات الأحزاب المندمجة، وخصوصا مدى تقدير كل واحد منها لحجمه الحقيقي و«زعاميته» الفعلية. فحرب الزعامات كانت دائما أبرز معوقات توحّد الاتجاهات السياسية والفكرية المتشابهة، بل وأحيانا المتطابقة، وقد أضعفت كثيرا على امتداد العقدين الماضيين الحركة الديمقراطية في تونس، ومعها جبهة المعارضة لبن علي ومثّلت أحسن عون لهذا الأخير لإرساء دكتاتوريته، وسهّلت عليه ضرب مناوئيه الواحد بعد الآخر. وعسى أن تكون التيارات الفكرية قد استوعبت هذا الدرس أيضا. وإن نقطة الضعف هذه، هي التي ستسمح للأحزاب المندمجة في صورة النجاح في التغلب عليها بالتواصل والبقاء وربما الانتشار، وهي التي ستؤدي بها الى التلاشي والاندثار عند الفشل في تجاوز عقبتها.