عاجل/ بلاغ هام حول التجارة عبر الانترنات    باجة: اعادة اكثار واحياء قرابة 5 الاف صنف من الحبوب بنجاح    حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف    اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني    شنيا الماكلة اللي تنفع أو تضرّ أهم أعضاء بدنك؟    الاتفاق على احداث لجنة قيادة وبرنامج وطني لتفعيل "إعلان قرطاج" للصحّة الواحدة    إيران تعتقل عميلا للموساد الإسرائيلي    الملعب التونسي يعزز صفوفه بالحارس نور الدين الفرحاتي    تحذير طبي: خطر الاستحمام بالماء الساخن قد يصل إلى الإغماء والموت!    منوبة: فتح الجزء الثاني من الطريق الحزامية " اكس 20 " بولاية منوبة    بطولة برلين المفتوحة (منافسات الزوجي): التونسية أنس جابر وشريكتها الاسبانية باولا بادوسا في الدور ربع النهائي    قفصة : حلول الرحلة الثانية لحجيج الولاية بمطار قفصة قصر الدولي وعلى متنها 256 حاجا وحاجة    المكتبة الخضراء تفتح أبوابها من جديد يوم الأحد 22 جوان بحديقة البلفدير    ملتقى تونس الدولي للبارا ألعاب القوى: العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    عاجل/ بعد انذار بوجود قنبلة..طائرة تابعة لهذه الخطوط تغير مسارها..    تونس ترشّح صبري باش طبجي لقيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية    الكاف: تطوير القطاع الصحي بتدعيم طب الاختصاص وتوفير تجهيزات متطورة (المدير الجهوي للصحة)    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    ترامب: نريد "رضوخا كاملا" من إيران    عاجل/ الصين تدعو مواطنيها إلى مغادرة إيران في أسرع وقت..    الحرس الثوري: استهدفنا مقر الموساد في تل أبيب وهو يحترق الآن (فيديو)    تصعيد خطير في الشرق الأوسط... والصين تتّهم ترامب ب''صب الزيت على النار''    عاجل : ''طيران الإمارات'' تمدد تعليق رحلاتها إلى 4 دول    بعد التهام 120 هكتارًا من الحبوب: السيطرة على حرائق باجة وتحذيرات للفلاحين    تعرفش علاش الدلاع مهم بعد ''Sport''؟    ماهر الكنزاري : " أشعر بالفخر بما قدموه اللاعبون"    منوبة: الانطلاق في تزويد المناطق السقوية العمومية بمياه الري بعد تخصيص حصّة للموسم الصيفي ب7,3 مليون متر مكعب    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    قائد عسكري إيراني: شرعنا باستخدام أسلحة جديدة ومتطورة    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود لفك الحصار على غزة..    الحماية المدنية : إطفاء 192 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية    عاجل/ رئيس الدولة يفجرها: "لا أحد فوق المساءلة والقانون..ولا مجال للتردّد في إبعاد هؤلاء.."    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    بعد السقوط أمام فلامنجو... الترجي في مواجهة هذا الفريق بهذا الموعد    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    رونالدو يهدي ترامب قميصا يحمل 'رسالة خاصة'عن الحرب    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    كاس العالم للاندية : التعادل 2-2 يحسم مباراة بوكا جينيور الارجنتيني وبنفيكا البرتغالي    القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرايين السياسة فاعلة.. وعضلات الاقتصاد معطلة..
تحليل سياسي: بين 14 جانفي 2011 14 جانفي 2012
نشر في الصباح يوم 14 - 01 - 2012

عام كامل، يمر اليوم على فرار الرئيس المخلوع من تونس، اثر هبّة شعبية عارمة، أتت على الأخضر واليابس من تركته الديكتاتورية، فلم تبق منها سوى الذكرى الأليمة، والملفات المستعصية، وإرث ضخم من أورام الفساد المتفشية في أوصال الدولة والمجتمع، وفي مستوى علاقات تونس الخارجية..
في هذا العام، التاريخي بكل معنى الكلمة في حياة الشعب التونسي، حصل كل شيء: الثورة.. والفوضى.. والانفلات.. والخوف.. واللامعنى.. والانتخابات.. والتأسيس.. ولبنات الانتقال الديمقراطي.. واتساع دائرة الفقر والحرمان.. والاحتقان الاجتماعي.. والتجاذبات السياسية.. والتراجع الاقتصادي.. والهشاشة في البنى الاجتماعية.. والتهافت العربي والدولي على تونس وثورتها وشعبها..
حصل كل ذلك وغيره، في وقت قياسي جدا، وفي ظرفية إقليمية ودولية عصيبة، ما جعل الحصاد وفيرا، والحصيلة لا يستهان بها، بل ان بعض المراقبين يصفون ما حصل في تونس خلال هذا العام، ب"المعجزة"، في زمن عزّت فيه المعجزات..
فكيف يمكن ان نقرأ حصاد عام 2011؟ وما الذي تراكم لدينا بين 14 جانفي 2011 و14 جانفي 2012؟
النظام.. والدولة..
لاشك أن الثورة التي أطاحت بأعتى الديكتاتوريات في العالم العربي، جرفت نظاما أخطبوطيا، اتخذ من الاستبداد والفساد أدوات أساسية لادارة الشأن العام، في مكوناته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والاعلامية، لذلك عندما فرّ بن علي من تونس تحت وقع أصوات التونسيين المطالبة ب"ديقاج" و"الشعب يريد إسقاط النظام"، تساقطت أوراق هذا النظام الكرتوني الواحدة تلو الأخرى، وفي لمح البصر.. فاهتزت المؤسسة الأمنية، وتهاوى الحزب الحاكم، وتعطلت "ماكينة" التخويف، وتوقفت آلة القمع، فاستعاد الشعب حريته، والنخب حيويتها، والأحزاب دورها ووظيفتها..
لكن الأمر الهام الذي استمر، رغما عن الزلزال الذي شهدته البلاد، هي مؤسسات الدولة وإداراتها وآلياتها ومكوناتها المختلفة.. استمر كل ذلك ينبض بالحياة، وهو ما ساهم في إعادة ترتيب حياة التونسيين بشكل تدريجي.. لقد سقط النظام.. واستمرت الدولة، وذلك أول دروس الثورة وحصادها..
"سي الباجي".. وهيبة الدولة..
لكن الأمر الهام الذي جعل عود الثورة يقوى، والأمل في البناء الجديد يتضاعف، هو تولي السيد الباجي قائد السبسي رئاسة الحكومة في مارس الماضي، في فترة شديدة الحساسية، كانت الثورة والدولة وأفق المستقبل، مهددة، بفعل الانفلاتات التي اتسعت دائرتها، ورائحة التدخل الخارجي التي كانت تفوح من خلال بعض التحركات والمواقف، والحسابات السياسوية والحزبوية التي كادت تعصف بالثورة واستحقاقاتها، وبما تبقى من الدولة وكيانها وهيبتها..
أعاد الباجي قائد السبسي الهيبة للدولة، ووضع المؤسسة الامنية في الموضع الذي هي جديرة به، وأوقف الاضرابات العشوائية، وخفف من درجة الاحتقان الاجتماعي والسياسي، ووفر مناخا جديدا لتحريك العجلة الاقتصادية وطمأن الخارج بسلامة الوضع في البلاد، وبأن استحقاقات الثورة لن تلغي العلاقات القديمة، ولن تسقط التعهدات والالتزامات التونسية، وفتح أمام الغرب الامل في رؤية نموذج سياسي تونسي جديد، يقوم على المزاوجة بين الديمقراطية والاسلام، وهو الموضوع الذي كان محل رغبة الغرب، ومصدر تخوفه أيضا..
وهكذا استؤنفت ميكانيزمات الدولة والمجتمع، وتهيأت الظروف لتنظيم انتخابات للمجلس التأسيسي، كانت شفافة وديمقراطية وتعددية، وفق ما شهد به العالم بأسره..
انتخاب مؤسسات الدولة
كانت انتخابات أكتوبر 2011، اللحظة الفارقة في تاريخ تونس الحديث بعد 14 جانفي.. لأنها وضعت حدّا لمنطق الثورة، وشرعت لاستحقاق الدولة ضمن سياق جديد، وبمكونات جديدة، وفي إطار مناخ وطني وإقليمي ودولي مختلف تماما..
واللافت للنظر في هذا السياق، أن الانتخابات أفرزت مشهدا سياسيا جديدا، لم تتعود عليه الطبقة السياسية، ولم يألفه الشعب التونسي، ولم تتوقعه عمليات سبر الآراء وتحاليل المراقبين.. وهكذا ولدت "ترويكا" حزبية (تتألف من حركة النهضة وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية وحزب التكتل من أجل العمل والحريات)، حصدت الأغلبية في المجلس التأسيسي، وخوّل لها تحالفها الثلاثي، بأن تقود المفاوضات حول تشكيل الحكومة..
ورغم ان الوضع لم يكن يحتمل احتقانا سياسيا جديدا، الا ان "الترويكا"، واجهت "نيرانا" كثيفة، إعلامية وسياسية ومن داخل الحكومة السابقة أيضا، بغاية إرباكها، وفرقعة تحالفها، وهو ما كان وما يزال مطمح البعض من السياسيين والأحزاب والشخصيات المتسترة خلف بعض الأبواق الاعلامية المعروفة..
لكن المجلس التأسيسي الذي انتخبه الشعب التونسي، ورغم حدّة التجاذبات التي تشقه نجح في أربعة أمور أساسية:
- انتخاب رئيس له، وهو السيد مصطفى بن جعفر، في ضوء منافسة "رمزية" للسيدة ميّة الجريبي، زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي..
* انتخاب رئيس للجمهورية، ممثلا في شخص السيد المنصف المرزوقي، بعد باب فتح الترشح من داخل المجلس وخارجه
- تكليف رئيس الدولة، السيد حمادي الجبالي، مرشح "الترويكا" الوحيد لرئاسة الحكومة، ومنح المجلس التأسيسي ثقته في الحكومة وفي برنامج عملها، رغم اعتراض عدد من نواب المجلس ممن بات يعرف ب"الأقلية" المعارضة..
- المصادقة على القانون المنظم للسلط العمومية، الذي يعدّ بمثابة "الدستور الصغير" لادارة شأن الدولة خلال المرحلة الانتقالية الجديدة، التي تمتد عاما ونيفا، وفق ماهو متفق عليه ومصرح به..
بل إن المجلس التأسيسي، حرص على المصادقة على ميزانية الدولة لسنة 2012، رغم كل الانتقادات التي وجهت للموازنة ولطريقة مناقشتها، وللتوقيت المخصص لذلك، وهو ما يجعل أسس الدولة ومرتكزاتها، تستوفى في غضون شهرين ونيف تقريبا..
قد يبدو ذلك للتونسيين أمرا عاديا، لكن إعادة تركيز مؤسسات دولة بطم طميمها، وبطريقة سلسة، وضمن مناخ ديمقراطي، وفي أعقاب حوارات وجدل صاخب، وشدّ وجذب، وفي ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، أمرا يعتبره المراقبون والمختصون في الفكر السياسي، في غاية الأهمية، وهو يرتقي الى مرتبة "المعجزة التونسية"، ليست تلك التي تحدث عنها الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك بتملق غريب وضمن نوع من المباركة السياسية للرئيس المخلوع، ولكن هذه المرة ضمن استحقاقات ثورة شعبية حقيقية، وبسواعد تونسية، وليس "بمنة شيراكية" ملغومة..
فأن تنشئ مؤسسات للدولة في مثل الظروف والحيثيات التي مرت بها تونس، وفي مدة وجيزة (أقل من عام)، وفي إطار قرار وطني مستقل، كل ذلك يجعل ما تحقق، لافتا ومثيرا، بل وجذابا بالنسبة لتجارب أخرى في العالم العربي، وربما في العالم الثالث..
نصف الكأس الفارغ
على أن ما تحقق ليس سوى النصف المملوء من الكأس، أما النصف الباقي (الفارغ)، فلا يقل أهمية وحساسية..
فإذا كانت الثورة قد نجحت سياسيا، فانها تئن اليوم تحت وطأة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب.. وربما ليس من المبالغة في شيء القول، ان الثورة التونسية تمشي اليوم عرجاء..
فالاقتصاد معطل، والاستثمارات الداخلية والخارجية متوقفة منذ الثورة، وبعضها يمشي مشية السلحفاة، والاسعار التهبت، والقدرة الشرائية للمواطنين اهترأت، وحركة التشغيل جامدة أو تكاد، ونسبة النمو في حدود "صفر فاصل"، والموازنة في عجز، والبطالة في تفاقم، وملفات الفساد متراكمة وتكاد تتموقع في جميع اعضاء جسم الدولة ومؤسساتها..
في مقابل ذلك، تبدو الانتظارات كبيرة وواسعة، والآمال بلا حدود، وشريط الجهات المهمشة ينتظر الحلول، والفقراء في انتظار لقمة يسدون بها رمقهم، ويطمئنون بها على ليلتهم، وبالطبع يجري كل ذلك، وسط تجاذبات اعلامية وسياسية، بعضها مشروع، وبعضها مفتعل وجزء من لعبة حزبية وسياسية باتت مكشوفة، بقطع النظر عن الموقف منها.
انتهت الثورة.. وقد تكون الدولة اتخذت سبيلها ضمن سياق جديد في التاريخ، لكن الملفات والأسئلة ما تزال مطروحة، ولعل أبرز سؤال هو: كيف ستجري الامور خلال الاشهر القادمة؟ وأي ثمن للثورة ولمنجز الدولة الجديدة؟
سؤال سنرقب الاجابة عنه خلال الفترة القادمة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.