لئن أفرزت انتخابات 23 أكتوبر الماضي واقعا سياسيا جديدا في تونس أفرز حكومة "الترويكا" بقيادة حركة النهضة التي تسعى منذ تسلمها مقاليد الحكم إلى تثبيت وجودها بمباشرة جملة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، فإن بقية الأحزاب السياسية التي لم تحقق نجاحا يؤهلها إما لتكون طرفا فاعلا داخل المجلس التأسيسي أوالتي لم تفز بمقاعد في المجلس شكلت معارضة داخل المجلس التأسيسي وخارجه وانطلقت تسعى من مواقعها أولا للتنظم من جديد ثم للسعي في الفعل في الواقع السياسي والاستعداد للانتخابات التشريعية كموعد قادم يؤهلها للعب دور سياسي أكثر فاعلية. وهذا الواقع السياسي الذي تميزت به البلاد راوحت فيه كافة الأطراف السياسية سواء التي باتت في السلطة أوالتي هي خارجها مكانها ولم تقدر على تخطي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعيد الثورة، وهو ما جعل المشهد السياسي العام غير واضح في مساره لحد الآن، وتتخلله جملة من الممارسات الارتجالية التي تؤكد تخبط الجميع في واقع صعب مازال لم يتضح بعد بالنسبة لتحالف "الترويكا "في دفة الحكومة أو الأحزاب المعارضة التي اختارت أن تكون خارج الحكم. ويعتقد عديد الملاحظين أن تشكل الواقع السياسي ووضوحه في تونس لم يكتمل بعد، وهو ينتظر محطات سياسية أخرى يمكنها أن تبلور المسار السياسي العام في البلاد ليفرز مزيدا من الوضوح الذي يقوم بالأساس على رسم تحالفات جديدة سوف تعكسها الاستحقاقات السياسية والتشريعية القادمة. وأكد الملاحظون من ذوي الاختصاصات القانونية والحقوقية أوالسياسية أن تحالف " الترويكا" ليس استراتيجيا، وإنما أفرزه واقع سياسي وانتخابي ظرفي لا يعكس بالمرة بعدا فكريا يجمع بين أحزابها، وهو لن يعمر طويلا باعتبار أن ذلك الاستحقاق السياسي الظرفي حتم عليها اللقاء لملء الفراغ السياسي الذي أفرزته الثورة والبناء الجديد للسلطة. ولعل ما بدأ يشق أحزابها من صراعات داخلية سواء في ما ظهر مع تشكيل الحكومة أو ما تعلق ببعض الأحداث التي عبرت فيها تلك الأحزاب عن مواقف متقابلة إنما يعكس حقيقة تحالفها الهش الذي سوف ينفرط عقد اللقاء بينها مع أول خلاف جوهري ومبدئي. كما أن واقع المعارضة لن يحافظ على التشتت التي ظهرعليه، وأن مساع قد انطلقت منذ مدة لرسم تحالفات جديدة وذلك على الرغم مما مازالت تبديه العديد من أحزاب المعارضة من تعنت وحب للزعامتية، وتشبث بالقيادة. وبالرغم من المسار البطيء في مسار التشكل الجديد للمعارضة فأن بعض صيغ الانصهار في حزب واحد قد ظهرت وذلك حسب ما أعلن عنه أول أمس من أن ثلاثة أحزاب قد شكلت جبهة تقدمية واحدة بالإعلان عن انصهارها في حزب واحد، وان صيغا أخرى أو لقاءات ستظهر في قادم الأيام بين بقية الأحزاب ، وهو تمش سوف يغير ولو في جزء من واقع المعارضة سواء ضمن تكتل واسع أو تكتلين وربما ثلاث تكتلات وذلك بناء على التقارب الفكري والإيديولوجي الذي يجمع كافة تلك الأحزاب المعارضة والتي لن تعيد تجربة التشتت التي ظهرت عليها في الموعد الانتخابي الماضي، وتدرك جميعها أن الإنتخابات التشريعية القادمة تتطلب إدراكا حقيقيا وحتمية لقيمة التحالف فيما بينها خاصة وأنها ستتم بعد عام أو أكثر بقليل من الآن، وأنه على قاعدتها سوف يتبلور واقع سياسي جديد تعاد معه عملية توزيع الأوراق السياسية بناءا على نتائج الانتخاباب التي ستجرى. وبعيدا عن فعل الأحزاب السياسية وما ترسمه اليوم من تمش، فإنه لا يمكن في مثل هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة التي تمر بها البلاد تحديد مدى تفاعل الشارع التونسي مع ما يجرى من عمل سياسي تسعى إليه كل الأحزاب استعدادا للانتخابات التشريعية القادمة، خاصة وأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي يرمي بثقله على الجميع، وهو استحقاق يرى عديد الملاحظين أنه يمثل مشغل المواطنين بدرجة أولى. كما يبدي عديد الملاحظين تأكيدا بأن عودة المجلس التأسيسي لاجتماعاته العامة لصياغة الدستور الجديد لن يمر بسهولة، وسوف تتخلله تجاذبات وصراعات أكثر عمقا وتباينا لا بين أحزاب "الترويكا " والمعارضة فحسب، بل بين أحزاب الائتلاف الحكومي ذاتها، وقد أكد هؤلاء على أن التجاذب بين الإئتلاف الحكومي قد انطلق من الآن مع ما طرحه ممثلو حزب النهضة داخل المجلس منذ الآن بخصوص أحقيتهم في رئاسة اللجان الخاصة بصياغة الدستور نافية حق رئيس المجلس التأسيسي السيد مصطفى بن جعفر من هذا الإستحقاق الذي انتخب من أجله. وهكذا يرى عديد الملاحظين السياسيين أن تشكل الخارطة السياسية واستقرارها مازال هشا وغير مثبت بعد، وأن المسار السياسي في قادم الأيام، وبما سيتخلله من نشاطات سواء داخل المجلس التأسيسي بخصوص إعداد الدستور أو نشاط الحكومة ومراقبتها، وكذلك دينامكية أحزاب المعارضة في مجال تقاربها سوف يشكل الأرضية التي سيتم على قاعدتها رسم قاعدة سياسية قد تكون صلبة، وذلك حسب التطورات السياسية المنتظرة، وأن أبرز موعد سيؤسس لبناء جديد للخارطة السياسية في البلاد سوف يكون الانتخابات التشريعية القادمة.