بقلم: د.خالد شوكات الذين يصلون تباعا إلى الحكم اليوم في العالم العربي والإسلامي، في تونس والمغرب ومصر وغيرها، يمثلون الجيل الثالث من الإسلاميين في رأيي، فبعد أن وصل الجيل الأول منهم إلى الحكم عبر الثورة الشعبية في إيران سنة 1979، وصل الجيل الثاني عبر الانقلاب في السودان سنة 1989، وها هو الجيل الثالث يصل ابتداء من سنة 2011 عبر الديمقراطية وصناديق الاقتراع. ويعتقد باحثون في الإسلام السياسي أن لوصول الجيل الثالث من الإسلاميين للحكم، ثلاث مقدمات، أولها صعود الإسلاميين للسلطة في تركيا سنة 2002، وثانيها صعودهم في العراق سنة 2004، وثالثها صعودهم في فلسطين سنة 2006، غير أن هذه المقدمات تظل محفوفة بظروف خاصة جدا مفادها طبيعة النظام العلمانية في أنقرة، وتنظيم انتخابات بغداد في ظل الاحتلال الأمريكي، وانعقاد الانتخابات الفلسطينية في سياق سلطة وطنية منقوصة تحدد معالمها اتفاقية أوسلو وغلبة مشروع استيطاني صهيوني بغيض. ويغلب الاعتقاد لدى قادة الحركات الإسلامية في البلاد العربية، وتحديدا أولئك الذين يبدون إيمانا بالآلية الانتخابية والنظام الديمقراطي، أن الإسلاميين لم يصلوا إلى الحكم إلا بعد ثورات الربيع العربي الأخيرة، وأن تجاربهم السابقة في الحكم، سواء في إيران أو السودان، ليست سوى استثناءات يجب قراءتها في سياقها الخاص، أما التقييم الحقيقي فيجب أن يحدث بعد مضي وقت كاف لاختبار تجاربهم الراهنة. ويشكك خصوم الإسلام السياسي في قناعات قادته الديمقراطية، مشيرين إلى أن تجارب الجيلين الأولين في إيران والسودان، اضافة إلى التجارب التي تبلورت في المقدمات الثلاث في تركيا والعراق وفلسطين، تشير جميعها تقريبا إلى أن الإسلاميين يكادون لا يغادرون حكما وصلوا إليه سواء عبر الثورة الشعبية أو الانقلاب العسكري أو العملية الانتخابية الديمقراطية، وأنه سيكون لديهم القدرة ما داموا في السلطة، على إيجاد المبررات لبقائهم حكاما. إلا أن الثابت أيضا، أن مثالين جاثمين على الأقل، يشيران إلى أن الوسائل المتبعة في التصدي لحكم الإسلاميين لم تكن نزيهة أو ديمقراطية، فقد قام الجيش في كل من الجزائر وتركيا بالتدخل عبر الانقلاب العسكري المبطن أو الصريح، بالانقلاب على إرادة الناخبين المعبرة عن رغبة في وصول حركات إسلامية إلى السلطة. أما بالنسبة لحصيلة الذين تمكنوا من الإسلاميين في الوصول إلى السلطة، فإنه باستثناء المثال الأردوغاني التركي، الذي حقق فعلا نتائج مبهرة على مستوى التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي وإصلاح أوضاع البلاد ودفعها إلى صدارة الدول الأكثر نموا وازدهارا في العالم، فإن بقية النماذج لا تصب أبدا في صالح الحركات الإسلامية، وقد قادت في مجملها شعوب تلك البلاد إلى نفور من الدين الإسلامي، لا مجرد نفور من حكم الإسلاميين. لقد مر العالم العربي خلال عقود ماضية بنوع من حكم الحركات والأحزاب القومية العربية، تماما كما مر العالم بتجربة حكم الحركات والأحزاب الاشتراكية، وكانت فترة الحكم في كلا الحالتين كافية للحكم سلبيا على المدرستين، وقد أتى اليوم زمن الإسلاميين ليحكموا، ولست أجد سبيلا لأن يحكم الناس على حقيقة مشروع الحركات الإسلامية إلا من خلال تمكينها من ممارسة الحكم. ولن يكون أمام الإسلاميين العرب بعد حكمهم لغالبية دول العالم العربي، من سبيل إلا النجاح المقنع لشعوبهم، بما يطبع نظرة الآخرين لهم، ويثبت بالفعل أنهم ليسوا الغول الذي طالما جرى التخويف من هوله، أو الفشل المقنع أيضا، بما ينهي أسطورتهم التي طالما شنفوا بها الآذان، وبشروا من خلالها بمشروعهم النهضوي الذي سينهي تخلف الأمة ويعزز مكانتها بين الأمم. ولست أرى في غير اختبار الحكم هذا سبيلا لتمحيص حقيقة مشروع الإسلاميين، لأن كافة السبل الأخرى ستظل مغذية للأوهام ومسببة في ارتكاب المظالم، ولربما انحرفت تجربة حكمهم نحو الديكتاتورية، فدفعت الشعوب إلى معايشة دورة استبدادية جديدة، لكنها على أية حال ستكون الدورة الاستبدادية الأخيرة، لأنه ساعتها لن تكون هناك مدرسة عقائدية شمولية في العالم العربي الإسلامي لم تجرب في الحكم حظها ولم يقف الناس على الفرق الخارق بين قولها وفعلها.