تغييب المرأة فاجأ المبدعين التونسيين والعرب «الثورة التونسية لها مراحلها الجنينية التي ظهرت في نصوص مبدعي تونس أثناء الحكم الاستبدادي» " كلمة صدق قالها وشهادة أكد عليها المستعرب والمترجم الايطالي فرانشيسكو ليجو الذي أهدى حياته العلمية إلى اللغة العربية التي تعلّمها في تونس وذلك تدريسا وترجمة. وقد جاءت شهادته هذه خلال الندوة الدولية التي نظمتها المندوبية الجهوية للثقافة بتونس يومي 18 و19 جانفي الجاري وافتتحها وزير الثقافة. استضافت هذه الندوة الدولية الجزائري واسيني الأعرج والمصري إبراهيم عبد المجيد والليبي محمد الأصفر والايطالي فرانشيسكو ليجو وشارك فيها كل من كمال الرياحي وكمال الزغباني وسمير ساسي وحضرها عدد كبير من المثقفين التونسيين وتناولت موضوع الربيع العربي بعيون الروائيين.
الرواية تجرأت على الدكتاتور تلميحا وتصريحا
وقد تبين من خلال ما جاء فيها من مداخلات أن الرواية في تونس استطاعت في سنوات الجمر أن تتجرأ على الدكتاتور تلميحا وتصريحا وأنها بصفة عامة تعيش تحديا حقيقيا لأن الروائي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعادة بناء العالم وإرساء مؤسسات تليق بمواطنتنا. وان الروائي التونسي ساهم بالفعل في التراكم الذي أدى إلى الثورة. وقد رأى الأديب والجامعي الجزائري واسيني الأعرج خلالها ان الكتابة هي الهشاشة التي تعطي قيمة للبشرية وقد عنى بالهشاشة الكتابة عن الثورات العربية دون تأليه او تعظيم ولا ذكر لسوبرمان ودعا لان تكون الصورة لبطل عادي يعطي قيمة للإنسان و النبل هو أن يقول الأديب شيئا لا يقوله الآخرون وان يكون ثوريا في وضع استثنائي وهي وضعية الأديب الحق. وقدم الكاتب سمير ساسي بالمناسبة كذلك لمحة عن تجربته من خلال عمله الروائي "برج الرومي" والتي كشف فيها عن فظائع التعذيب والتنكيل في سجون تونس في النظام السابق وضح على أثرها المستعرب الايطالي من خلال قراءة تحليلية للواقع الثوري بعنوان "عين الآخر القريب" ان النظم الاستبدادية تخاف من الأدب الحقيقي لذا تخلق وسائل رقابة لأنها تعرف ان المخيلة التي تغذيها وتطورها الكتب تشجع على التمرد. وبين ان الكتابة في السجن لا تؤدي بالضرورة إلى رواية عظيمة وإنما هي في اغلب الأحيان تؤدي إلى سيرة ذاتية أو يوميات أكثر منها إلى إبداع حقيقي حيث صرح "للصباح" بأنه: " لا احد يضمن ان ما يكتب في السجن سيكون جميلا ولكن بالضرورة تكون له قيمة وثائقية مضمونة ".
الصدق في تناول معاناة الإنسان يضمن البعد السياسي
وفرنشيسكو ليجو مستعرب مختص في الأدب المغاربي (تونس والجزائر خاصة )وله إلمام لغوي أهله لان يترجم "موسم الهجرة إلى الشمال" للسوداني الطيب صالح وهو حاليا بصدد ترجمة كتابه " عرس الزين" وقد تحدث "للصباح" أيضا عن كتاباته عن اللهجات في كتابات البشير خريف الذي -والكلام لفرنشيسكو- أقام عليه " الزواتنة" حربا ضروسا جعلته يكتب مقالا شهيرا في مجلة الفكر عنوانه "خطر الفصحى على الفصحى" وعن سؤالنا كيف يمكن للكاتب ان يعطي بعدا إنسانيا لإبداعه قال : " عندما يكون الروائي ناشطا سياسيا عليه ان يتساءل سؤال الصدق في رواية الأحداث والأحاسيس والحقيقة أن مهمة الأديب الأساسية ان يكتب شيئا جميلا بصدق ودون كذب ويكتب عما يعاني منه الإنسان حقيقة عندها فقط تكتسي أعماله بعدا سياسيا يعجب المتلقي." أما مداخلة الكاتب كمال الرياحي فقد أراد بها إثبات وجود الأصوات الروائية الثورية في سنوات الجمر مستشهدا بعدد من الروائيين مثل كمال الزغباني ومحمد الجابلي وفضيلة الشابي وعبد الجبار العش ومحمد الجابلي ولزهر الصحراوي وغيرهم ممن كتبوا وأزعجوا واعتبر الرياحي ان المبدع الذي لا يزعج ليس مبدعا والمبدع هو الذي يجعل من الخوف دافعا ومحفزا وانه لا معنى لفن مهادن مدعوم مثل الخبز والسكر وانه على الإبداع ان يشتعل مثل النار لخلق المعنى. هذه الندوة التي افتتحها وزير الثقافة استاء خلالها الحاضرون من تغييب المرأة الكاتبة رغم أن التونسية كتبت وناضلت فلا وجود في الندوة لعلياء التابعي ولا لمسعودة ابو بكر ولا لرشيدة الشارني او لأمال مختار ولا لغيرهن.. مما دفع الكاتب واسيني الأعرج للتعبير عن مساندته للمحتجين على هذا التغييب إذ قال : " أنا اتفق مع المحتجين على عدم وجود روائية بيننا لأنهن كن سيملآن المكان وهذا دون مزايدة "... كما لاحظ الكاتب والمناضل جلول عزونة خلال النقاش ان موضوع الندوة مهم جدا وأنها جاءت في ظرف دقيق ومهم ومنعش خاصة وانه وقع اللوم على الأحزاب طيلة سنة 2011 لعدم التقدم بأي مشروع ثقافي واضح. وأكد على ان الأدب التونسي لم يستكن وانه قاوم وسيبقى مقاوما دائما. ويبقى السؤال إذا سلّمنا بوجود الكتابات الثورية التونسية قبل الثورة فهل "ثوّرت" هذه الروايات التونسي؟