عبد الوهاب الحاج علي - مما لا يختلف فيه عاقلان أن النهضة حولت نفسها إلى مستهدف كلما تعالت أصوات الاحتجاجات وتأججت المطالب الاجتماعية رغم أن الحكومة تتألف من «الترويكا» والمستقلين.. لا أحد يدرك سرّ استمرار حركة النهضة في لعب دور الضحية وإذا كنا نعترف لها بذلك في سنوات الجمر فإنها اليوم أصبحت محجوجة وعليها أن تقر بأن قلة خبرة الحكومة في تسيير دواليب الدولة هي سبب مشاكلها..غياب الخبرة يتمظهر كلما وقع مهاجمة الاعلام واتهامه بتصعيد وتيرة الاحتجاجات والاستنكاف عن ابراز حسن نوايا الحكومة والمجهود الجبار الذي تقوم به وكيف تتسابق عقارب الساعة لانجاز البرامج وانقاذ ما يمكن انقاذه.. وفي الوقت الذي ظل فيه الاعلام الشماعة التي يعلق عليها فشل هذا أو ذاك ويتهم بسكب البنزين على النار كلما نقل الاحتجاجات فان اليسار يبقى المتهم الأبرز حيث لا تدخر بعض الأطراف في الحكومة أي جهد لتوجيه الاتهامات لشق سياسي معين لتتحدث من جديد عن تربص المنهزمين في الانتخابات بالفائزين وخاصة بالأغلبية وهو ماتعكسه كذلك الصفحات الفايسبوكية المحسوبة على النهضة. وبقينا نعيش على الأطلال في وقت نحتاج فيه لدولة مدنية مبنية على وحدة المصير ووحدة الهدف تتفاعل فيها الحكومة والأحزاب الفائزة مع المعارضة ومكونات المجتمع المدني لتقديم خطاب مقنع يتواصل مع الشارع إذ لا يكفي أن تعمل هذه الحكومة بمعدل 24 ساعة على 24 بل تحتاج إلى تواصل مع من تسيّر شؤونهم وهذا طبعا يدخل في خانة قلة الخبرة.. ولأنه من الاجحاف أن ننكر المجهود الذي تقوم به الحكومة منذ تسلمها مهامها ومن الواجب علينا أن ننبه الى أنها قد عزلت نفسها عن باقي مكونات المجتمع المدني ولم تتفطن الى هذا الأمر إلا عندما اكتشفت أن جل المحتجين في شتى المناطق لا يوجد من يمثلهم من مكونات المجتمع المدني.. وأبرزها المنظمة الشغيلة حيث لم تفهم هذه الحكومة رسائل الاتحاد العام التونسي للشغل منذ الاعلان عن نتائج الانتخابات عندما وضع نفسه في موقع قوة توازن ومراقبة وحدد المسافة الفاصلة بينه وبين الحكومة ليكون بمثابة المحرار بما يعفينا من بعض الفتاوى مثل فتوى الشيخ راشد الغنوشي الذي يرى بأن قطع الطريق حرام أو غير مقبول دينيا.. أثار اتهام أطراف سياسية معينة وخاصة منها اليسار الاستياء لأن هذا التيار أو الايديولوجيا جزء لا يتجزأ من مكونات المشهد السياسي ولا يمكن تحت أي ظرف تجاهله، كما أن هذه الحكومة إذا أرادت النجاح عليها الترفّع عن مثل هذه الاتهامات والتفاعل ايجابيا مع اليساري والمعتدل ومع كل الأطياف السياسية لأنه إذا صحّ أن اليسار أو المنهزمين في الانتخابات يحركون الاحتجاجات والاعتصامات )التي هي في الأصل مطالب اجتماعية لا علاقة لها بالسياسة( لنا أن نتساءل من يحرك السلفيين إذا ومن يساعدهم على تكوين « الامارات « ومن أثار ما سمي بمشكلة النقاب واعتصام السلفيين في كلية منوبة واضراب الجوع الذي تنفذه خمس منقبات بما أن ايقاف الدروس يدخل في خانة الحلال والحرام؟ ويبدو أن « شيطانة « اليسار الذي لا يتجاوب مع اليمين وراء تجاهل اتحاد الشغل الذي يضم شتى الأطياف السياسية وخاصة هذا المتمرد « الأعسر « بينما منطق الأشياء يفترض الاعتماد على المنظمة الشغيلة التي كان بمقدورها أن تقلص من وتيرة الاحتجاجات وتساعد الحكومة على استنباط الحلول. وبما أن الحكومة لم تتفطن إلى ذلك فقد أفرغت مجهوداتها من محتواها لأن اليد اليمنى تأبى أن تصفق مع اليد اليسرى بينما يضرب الفقر أطنابه في عديد المناطق التي يمزقها التهميش منذ عقود ولهذا نحن في حاجة أكيدة لتكاتف كل الأيادي للخروج من هذا النفق المظلم ولحكومة متناغمة ومتجانسة مع محيطها وباطنها لمجابهة أعصار الفقر وغول البطالة وحتى ننهض بالمناطق التي يجمدها البرد لابد أولا من إذابة الجليد بين كل الأطياف حتى نحافظ جميعا على شرعية توافقية...