كما للحروب أثرياؤها، مقتاتون من جثث الضحايا، ومن الانتهاكات والانفلاتات والرزايا.. للثورات كذلك أثرياؤها، متمعشون منها، وراكبون عليها، وعلى طموحات صانعيها وتطلعاتهم ومبادئهم.. صائدون للفرص، متاجرون «بالثورية» وبأرواح الشهداء وآهات وزفرات عائلاتهم.. رافعون شعار الوطنية والمواطنية.. مجهشون بحب الوطن والتضحية من أجله، والوطنية منهم براء.. ينبتون من الجراح والنواح، يمتصون الأمنيات والدماء، لا همّ لهم إلا الاستكراش والاستثراء.. والغاية عندهم تبرر و»تشرعن» الوسيلة... هؤلاء «المتشيطنون»، الراكبون على الثورة، الرافعون، بهتانا وزورا ورياء، شعار: «ليس لنا في الولاء للوطن كفؤ أحد»، هم في الحقيقة الجاذبون إلى الخلف، المتعودون على الاصطفاف و«ضرب الكف»، المتخندقون مع النظام البائد/الفاسد، ومن لف لفه من أقارب وأصهار وهلم شرا... هؤلاء.. انبلجوا بعد الثورة، «بلوك» و«ماسك» الثائرين، وفي نفوسهم وعقولهم ترتع الانتهازية والوصولية، والشيء من مأتاه لا يستغرب... هؤلاء على التلون و«التحربؤ»، وقلبان الفيستة» مجبولون، وعلى النهب والسطو، وحرامك.. ثم حرامك متعودون... كم أنتم يا.. هؤلاء «ثورجيون»... كم أنتم يا.. هؤلاء أشقياء... كم أنتم يا.. هؤلاء «متشعبطون»... كم أنتم يا.. هؤلاء... هؤلاء... ولعل، بل والأكيد أن المشهد الاعلامي بكل أنواعه، وخاصة منه المكتوب، أكثر القطاعات احتلالا، ودوسا واستغلالا، و«عفسا» من طرف هؤلاء «الأمسيون»، النابتون من جديد في أنفاس الثورة وشرايينها.. القابعون في آمال الشعب وأمانيه.. الشافطون لتطلعات الشباب.. الممتصون لرحيق الغد المشرق الذي نصبو إليه جميعا.. القاضمون، بطريقة ممنهجة، لأجنحة الحرية في الاعلام.. المجهزون على نقطة ضوء أو أمل، وعلى قطرة حلم وجلال، لصاحبة الجلالة.. المتشدقون بالنضال، وهم للنضال أعداء.. المتجلببون بالنزاهة والحياد، وهم، في الأمس القريب، أمهر السابحين في بحر الولاء والفساد، «تجمعنوا» في حزب المخلوع المنحل، فكانوا اياديه، وأرجله، وأعينه، وأقلامه، وألسنته الطويلة والطولى، يعيثون بهتانا ورياء، وعدوانا وبلاء، في البلاد والعباد... هؤلاء المخاتلون، المراوغون، المناورون، اكتسحوا المشهد الاعلامي المكتوب سواء عن بعد أو عن قرب، وتسيفوا بأقلامهم واقلام زبانيتهم الصدئة المعهودة، الراسخة في الولاء والوفاء للمخلوع، و«لتجمعه» ولأصهاره ولأقربائه ولعائلته، ولكن ليطلوا علينا، بعد 14 جانفي 2011، بحبر جديد آسن البسوه قميص الثورة، وبجرائد تطفح «ثورجية»، و«حرية» و«ديمقراطية»، ولكن خلف خطوطها التحريرية ونصوصها ومواضيعها تكمن وتقبع البلية، ومن بين سطورها تفوح روائح الوصولية، واللهث وراء الإثارة والثراء... جرائد وعناوين كثيرة انهمرت على المشهد الاعلامي بعد الثورة، فأغرقته وأربكته... وكل عنوان يتبجح ب «الخط المستقيم»، وبأنه «شاهد» على العصر والمصر، وبأنه «الضمير» الأوحد للثورة، وبأنه وحده يمتلك «الحقيقة»، ويتابع «الوقائع» بتفاصيلها ومفاصلها، ويرصد «حصاد» الثورة... وهلم ركوبا على الثورة وإجهاضا لأهدافها، وسكنا في خصلاتها وشرايينها بكل «جرأة» وصفاقة... ويعود هؤلاء في «المساء» إلى أوكارهم وهم «ضد السلطة»، رافعين «راية» الثورة.. ناسين أو متناسين أن للثورة شعبا يحميها... والسؤال المطروح هنا، بكل ثورية والحاح وإصرار هو: «من أين أمطرت تلك الأموال الطائلة على أصحاب شبه الجرائد هذه.. هؤلاء الذين كانوا في الأمس القريب لا قلم لهم ولا مال إلا من رحم المخلوع، ووكالة إتصاله الدافعة للأموال صكوكا وسيولة، القباضة لتلميع نظامه وصورته؟ !... ذلك ما سنكشفه في «لافتة» مقبلة... ..وكم أنتم يا.. هؤلاء مخاتلون.. كم أنتم يا.. هؤلاء... أنتم ....................... (!!!) ولكن.. أيها «الأمسيون».. لن تمروا.. رغم عتادكم «الأمسي».. لن تمروا...