إذا كان الفن المسرحي يتألف من عناصر أساسية تصوغه في الشكل الدرامي فإن الديكور المسرحي يعد من أهم هذه العناصر ويعبر عما يحتويه النص. كما أن الأعمال المسرحية تتحدد قيمتها الفنية وفق ثراء جزءين، الجزء الاول يمثل التأليف وكتابة المسرحية والحوار والحوادث إضافة الى بناء المسرح وما يقدم عليه من مناظر وتمثيل وإخراج، أما الجزء الثاني فيمثل الوسيلة التي يتم بها تصوير الديكور على المسرح. كل هذه العناصر كانت حاضرة بامتياز صباح يوم الخميس إثر عرض مسرحية «صانع الكراسي» في دار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة. عناصر وُظفت أحسن توظيف ليتخذ العمل من الأشياء مادة(الكراسي) يحولها الى شخصيات تتكلم وتتحرك وتعبر عبر أجواء خيالية عن طموحات عديدة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا التزم الانسان وكان مسؤولا عن تصرفاته ومن ثمة بدت الدعوة الى تأسيس ثقافة بديلة واضحة وجلية.. العمل من تأليف سوسن الذوادي وإخراج محسن الأدب عن الانتاج المسرحي الجديد لشركة الحب المجنون للإنتاج المسرحي. شارك فيه مجموعة من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي على غرار وليد عبد السلام وصابر العراكي وأحمد فرشيشي وبلال الجلاصي وعز الدين المعوج.
مشروع موجه للكبار والصغار
يندرج عمل «صانع الكراسي» ضمن مسرح الأشياء لأنه اعتمد عنصر المادة لتوظيف معان عميقة نحن بأمس الحاجة الى تحقيقها في ظل التفكك الاجتماعي. ولكن المتأمل في أحداث هذه المسرحية يدرك جيدا أن العمل ليس حكرا لا على الصغار أو الكبار لأننا نستطيع مشاهدة العرض من زاويتين مختلفتين. فالمتلقي يمكن له أن يجد النص بسيطا من حيث الخطاب والحوار الذي دار بين الشخصيات إن لم يؤوّله ويعيش معاناة تلك الشخصيات، بما أن العمل يحمل في خطابه العديد من الأبعاد والمضامين من خلال مجموعة من الكراسي في ورشة طال بها الانتظار بعد الخراب الذي لحقها من مستعمليها. ثمانية كراسي تعيش معاناة «وجودية» لتتفق مؤخرا على تجاوز الواقع والظفر بالمنشود.. انطلقت الأحداث مع «قصير» (كرسي من الكراسي) الذي يتوق الى الخروج من الورشة وبناء حياة جديدة. أحداث تطرقت الى مفهوم المسؤولية التي لا تقتصر على الحكومة فحسب وإنما كل إنسان من موقعه لا بد أن يتحلى بروح الالتزام والمسؤولية. كما أن الكراسي في مجملها تتبنى أهدافا مختلفة عن الكراسي القديمة إحالة الى أن واقعنا لا يمكن أن يتغير إلا إذا تغيرت العقليات والمفاهيم وأن نكون مسؤولين عن تصرفاتنا..
محسن الأدب و«الإحيائية»
ورغبة منا في تقريب هذه النوعية من المسرح إلى الجمهور كان لنا لقاء مع مخرج «صانع الكراسي» محسن الأدب بعد العرض ليبين لنا رأيه في مسرح الأشياء بما أنه غير متداول كبقية المدارس المسرحية الاخرى وأن يشرح لنا سبب تبنيه تلك المدرسة(مسرح الاشياء) خاصة ان النص كان موجها للأطفال والكبار على حد السواء. فكان أن أشار لنا بأن عمله يمثل مفهوم «الاحيائية» بما أنه اعتمد فكرة «بعث الروح في المادة (الكراسي) لنقل مفاهيم اجتماعية سياسية في غاية الاهمية بأسلوب بسيط. كما بين من جهة اخرى أننا يجب أن نقطع مع فكرة ان مسرح الطفل يجب أن يصنف ضمن مسرح الدرجة الثانية بدليل أن «صانع الكراسي» في اعتقاده -محسن الادب- تستطيع أن تشحن خيال الطفل بالعديد من الافكار التي من شأنها أن تسهل له عملية التواصل مع واقعه المتشعب بالآمال والطموح. ثم إن مسرح الاشياء المجسد في «صانع الكراسي» حسب رأي محسن الادب كفيل بأن يكون من زاوية اخرى محل تأويل بالنسبة للكبار يقتصر على مفهوم المسؤولية والقطع مع السلوكيات القديمة التي لطالما تسببت في تخلف المجتمعات العربية عامة..