"ثلاثة أرباع الفقراء في تونس يقطنون بالأرياف، وجلهم لا يستطيعون بسبب العوز الذي يعانون منه إبلاغ أصواتهم للسلطات للمطالبة بإيجاد حلول لمشاكلهم" هذا أبرز ما كشف عنه السيد عبد الرحمان اللاحقة أستاذ اقتصاد التنمية بالمعهد العالي للتصرف بالجامعة التونسية.. وقال في لقاء به على هامش أمسية علمية نظمها قسم الدراسات والتوثيق بالاتحاد العام التونسي للشغل أمس بالعاصمة حول موضوع "الفقر في تونس: الواقع واستراتيجيات الحد منه" إن قانون المالية التكميلي مطالب بأن يكون أكثر عدالة بين الجهات وأن يأخذ بعين الاعتبار معيار الفقر لتوزيع ميزانية التنمية بكيفية تجعل كل منطقة وكل جهة من جهات الجمهورية تأخذ حظها من ميزانية التنمية هذه وفقا لنسبة الفقر التي فيها. وعبر الجامعي عن أسفه لعدم وجود خطوات فعلية وعملية، إلى حد الآن، نحو توزيع الميزانية بطريقة عادلة بين الجهات.. وفسر أن تحديد الاعتمادات التي ستوزع على الجهات يجب ان تتم على أساس نسب الفقر فيها.. ويجب خاصة ان يتم النظر إلى كامل الميزانية وليس للميزانية التكميلية فحسب لأن الفرق بين الميزانيتين كبير وواضح. وذكر الجامعي الذي أعد دراسة حول الفقر وعدم المساواة في تونس تمتد من 1990 إلى 2005 أن السياسات التي يجب اتباعها للتقليص من الفوارق الاجتماعية والفوارق بين الجهات يجب الا تكون سياسات "شعبوية".. بل يجب أن تكون مدروسة.
حصيلة الدراسة
وبين الباحث أن الدراسة التي أعدها انتهت إلى تأكيد وجود فوارق كبيرة بين الجهات في مستوى درجات الفقر ووجود فوارق اجتماعية كبيرة بين التونسيين. وتبلغ نسبة الفقر على المستوى الوطني 11 فاصل 3 بالمائة.. وتوجد مناطق تصل فيها نسبة الفقر إلى 41 بالمائة وتقع خاصة في أرياف الشمال الغربي، ومناطق أخرى بالعاصمة لا تتجاوز فيها هذه النسبة واحد بالمائة.... وظل مستوى الفوارق الاجتماعية خلال العشريتين الماضيتين مستقرا ولم يتغير كثيرا وهو في حدود أربعين بالمائة. وعرّف الجامعي في هذه الدراسة العلمية معنى الفقر وأبرز خطوط هذا الفقر وفسر أنه يوجد الفقر النسبي والفقر المطلق. والمقصود بالفقر النسبي التهميش وعدم قدرة الفرد على توفير بعض الكماليات مثل وسائل الاتصال الحديثة ووسائل الترفيه وغيرها من الأشياء التي تجعل المرء لا يحس بالغبن. وكشف الباحث أن الفقر في تونس يورّث من جيل إلى جيل وهو أمر خطير والمقصود بالفقير هو الذي لا يستطيع تلبية حاجياته من الحريرات وقدرها 2200 حريرة في اليوم إلى جانب السكن والملبس.. ويبلغ خط الفقر في المدن الكبرى مثل تونس وصفاقس وقابس وسوسة 955 د للشخص الواحد في العام وهو محدد في المناطق الحضرية الاخرى بنحو810 د وفي المناطق الريفية 668 د وبالتالي فإن أي شخص يصرف اقل من هذا القدر هو فقير.. وأكد اللاحقة أن هناك تفاوتا في مستوى العيش بين المناطق الحضرية والريفية ويعود هذا التفاوت لتهميش سكان المناطق الريفية. وحتى في الولاية نفسها يوجد تفاوت كبير في مستوى الفقر ففي القصرين مثلا تبلغ نسبة الفقر في حاسي الفريد 41 بالمائة وفي العيون 37 بالمائة وهي نفس النسبة في سبيبة وتبلغ 31 بالمائة في القصرين الجنوبية. أما في تونس الكبرى فتوجد معتمديات تعتبر نسبة الفقر فيها صغيرة مثل اريانة ومعتمديات أخرى تصل فيها النسبة إلى 17 بالمائة مثل سيدي حسين السيجومي.
توجهات
ونفى وجود حلول سحرية للقضاء على الفقر وعلى الفوارق بين الجهات، لكن هناك على حد تعبيره، خيارات كبرى لا بد من اعتمادها أولها توفير حق الشغل اللائق للفقراء بدلا عن تمكينهم من الاعانات الاجتماعية. واستدرك في هذا الشأن: "حتى هذه الاعانات لا تحظى بها جميع العائلات المعوزة.. وتوجد فوارق جهوية كبيرة في توزيعها".. ويتمثل الخيار الثاني في تحسين قدرات الفقراء على الاقتراض من البنوك للتعويل على انفسهم وبعث أنشطة اقتصادية تساهم في تحسين أوضاعهم المعيشية. ويتمثل الخيار الثالث في إعادة هيكلة صندوق الدعم لتمكين الفقراء من الاستفادة منه على النحو الذي يجب.. أما الخيار الموالي فيتمثل في تفعيل دور المرأة في محاربة الفقر وتمكينها من المهارات الضرورية التي تجعلها أكثر قدرة على التصرف في ميزانية العائلة بحكمة ومسؤولية. واجابة عن استفسارات المشاركين في اللقاء بين انه كان مضطرا للاقتصار في دراسته العلمية على فترة 1990 2005 نظرا لعدم توفر المسح الخاص بسنة 2010 إلى حد الآن.. وخلال النقاش أثار المتدخلون عديد الاشكاليات الاخرى التي تسببت في ارتفاع نسبة الفقر في تونس وأهمها الفساد والرشوة والجرائم التي ارتكبتها عائلة المخلوع في حق التونسيين.. وتعليقا على مقترح إعادة هيكلة صندوق الدعم قال عبيد البريكي إنه ليس من مصلحة الفئات الشعبية المس من صندوق الدعم الآن. وردا على مقترح تفعيل دور النساء أبرزت حليمة الجويني الناشطة الحقوقية أن المرأة تتعرض للفقر أكثر من الرجل في تونس.. وأكدت أستاذة تعليم ثانوي أن الموظفين في تونس فقراء ومفقّرون وأن المربي أصبح فقيرا.. وبين رضا بوزريبة انه يجب مراجعة منوال التنمية الذي تسبب في الفقر، فهذا أنجع من توزيع موارد التنمية بكيفية عادلة وانطلاقا من نسبة الفقر.. فالبديل هو منوال تنمية جديد.