معاناة.. بؤس.. ظروف اجتماعية قاسية.. حالات مزرية ومناطق ريفية منسية ومعزولة... واقع يعيشه متساكنو الأرياف في شمال بلادنا مع ارتفاع وتيرة موجة البرد وتساقط الثلوج في الآونة الأخيرة. دجبة، أولاد سالم، الجبابلية، الحوامدية، بلعيش، الجبل الغربي وغيرها من المناطق الريفية التابعة لولاية باجة لفّها النسيان والحرمان، في هذه "الدشر" يعيش أبناؤها وأطفالها ونساؤها وشبابها وشيوخها ظروفا اجتماعية صعبة زادت حدتها موجة البرد وتساقط الثلوج. "الصباح" انتقلت الى منطقة "دجبة" التابعة لمعتمدية تيبار من ولاية باجة والمناطق القريبة منها برفقة قافلة "الخير والواجب" التضامنية التى نظمتها جمعية تونسيو الضفتين" T2riv" بالتنسيق مع جمعية رحمة بباجة. انطلاق القافلة كان في حدود الساعة الثامنة صباحا بعد وصول الدفعة الأولى من المساعدات من فرع الجمعية بمساكن من ولاية سوسة باتجاه نقطة الانطلاق من فرع برج السدرية في حمام الانف تم خلالها تجميع كل الاعانات والمساعدات المتمثلة في مواد غذائية وأغطية وحشايا موجهة الى المناطق المتضررة من موجة البرد. وخلال مرافقة قافلة الخير شدّ انتباهنا غياب لافتات اشهارية على عكس القافلات التضامنية الأخرى التى اعترضنا في الطريق الرابطة بين ولايتي باجة وجندوبة على غرار قافلة مساعدات قادمة من حي التضامن وقافلة قوات التدخل بباجة. وفي هذا الاطار أكد عبد الهادي عزاري المنسق العام للقافلة وعضو جمعية "تونسيو الضفتين" أن العمل الخيري والانساني لا يحتاج الى اشهار أو لافتات والمهم ايصال الاعانات الى المحتاجين وأضاف أن هذه المنظمة جاءت ببادرة من مجموعة من التونسيين الناشطين في المجال الخيري متواجدين في تونس وفرنسا وهي بصدد توسيع قاعدتها وتركيز فروعها في مختلف ولايات الجمهورية وتتمثل أهدافها في مد يد المساعدة للأيتام وفاقدي السند في تونس اضافة الى تقديم مساعدات للمناطق الداخلية المتضررة من الكوارث الطبيعية كالفيضانات وموجات البرد وتساقط الثلوج بالاضافة الى تمويل المشاريع الصغرى للعاطلين عن العمل من حملة الشهائد العليا وقد سبق أن تم تنظيم حملات خلال شهر رمضان وفي مفتتح السنة الدراسية تحت شعار"محفظتي" مضيفا أن قافلة "الخير والواجب" شملت قرابة 150 عائلة متضررة من موجة البرد.
اعادة تهيئة الطرقات والمسالك الفلاحية
وصولنا الى منطقة دجبة السفلى لم يكن صعبا على عكس منطقة دجبة العليا القريبة من الجبل التى كشفت عن عمق ومأساة متساكني الجهة مسالك فلاحية وعرة وطرقات سيئة تحتاج الى مراجعة واعادة تهيئة من قبل السلط الجهوية. جولتنا لم تقتصر على متابعة الاعانات والمساعدات رغم وجود تعزيزات أمنية ممثلة في وحدات من الحرس الوطني والجيش لتأمين عملية تقديم المساعدات التى شهدت في بعض الأحيان فوضى من قبل المتضررين من موجة البرد وهذا مرده قلة ذات اليد وحالة الخصاصة التى يعاني منها أبناء المنطقة الى جانب غياب المسؤولين عن هذه المناطق الوعرة والمعزولة، بل تجاوزنا ذلك للوقوف على معاناة أبناء ريف بلعيش والحوامدية والجبابلية ودجبة لرصد الظروف الاجتماعية الصعبة وظروف عيش المتساكنين مع تواصل تصاعد وتيرة موجة البرد وتساقط الثلوج. قسمات وجه زهير الميموني الذي بدا عليه الارهاق وهو من أبناء منطقة بلعيش تعكس وضعية اجتماعية يعيشها أهالي الجهة حيث أكد أن البطالة متفشية في منطقة دجبة بشكل كبير اضافة الى تآكل البنية التحتية خاصة الطريق الرابطة بين منطقتي بلعيش ودجبة وهوما تسبب أثناء تساقط الثلوج في قطع هذه الطريق وعزل المنطقة بأكملها. وقال أن انسداد الطريق كان عائقا أمام أمرأة من الجهة فاجأها المخاض فتم ايصالها الى منطقة دجبة في"قشبية" وذلك نتيجة قطع الطريق بسبب ارتفاع مستوى الثلوج، ويقول عفيف العوني(من أبناء منطقة الجبل الغربي وعاطل عن العمل) أن العائلات التابعة لمعتمدية تيبار تضررت كثيرا من موجة البرد والثلوج وتعاني كذلك من عديد الأمراض اضافة الى نقص حاد في المواد الغذائية حيث أشار الى أن هناك عائلات متكونة من 7 أفراد تقطن في غرفة واحدة الى جانب المسالك الفلاحية المتهرئة والانزلاقات الأرضية التى تحدث في بعض الطرقات.
ظروف صعبة ومناطق معزولة
الصدفة قادتنا الى زيارة منزل الهادي البجاوي في دجبة العليا الذي استقبلنا بحفاوة وعلامات البهجة والفرحة على محيا والد الهادي وهو شيخ في التسعين من العمر قال حرفيا "مرحبا بكم في منطقتنا المنسية" بادرناه بالسؤال عن الظروف الاجتماعية والمعيشية وتدخل المسؤولين في ظل موجة البرد وتساقط الثلوج فأجابنا بنبرة حزن"عن أي برد تتكلمون وأي مسؤولين".."لم يتغير شئ الثورة جاءت وتغيرت الأسماء وبقى الحال على ما هوعليه" تعودنا بالبرد والتغيرات المناخية لا نحتاج الى أغطية ومواد غذائية بقدر ما نحتاج الى عمل قار يضمن كرامتنا ويمكننا من العيش الكريم" وأتوجه بنداء الى السلط الجهوية بتهيئة الطريق الرابطة بين دجبة العليا والسفلى. وفي الأثناء تدخلت زوجة الهادي التى أكدت أن معاناة العائلات في هذه المنطقة متواصلة خلال فترة الشتاء نتيجة تساقط الثلوج واستمرار موجة البرد وأضافت أن غياب مورد رزق قار هو المشكلة ويقتصر دخل بعض العائلات على موسم جنى الزيتون. وغير بعيد عن منزل الهادي البجاوي وعلى أعلى قمة جبل دجبة اعترضتنا مجموعة من التلاميذ عائدين الى منازلهم، استوقفناهم وسألناهم عن ظروف الدراسة أيام موجة البرد وتساقط الثلوج فأجابنا أحدهم ببراءة الطفولة "لقد عدنا الى مقاعد الدراسة منذ يومين بعد أن تعذر علينا التحول الى المدرسة لمدة 11 يوما نتيجة انقطاع الطريق بسبب الثلوج وموجة البرد القارس وعدم التحاق بعض المعلمين بالمدرسة". ومن جهتها أضافت أمال ابنة 10 سنوات" ان تساقط الثلوج حرمنا من الدراسة كما أن بعد المدرسة عن مقر الاقامة كان سببا في عدم الالتحاق بها" مضيفة أن الطرق السيئة ومسألة التزود بالمواد الغذائية ونقص الات التدفئة من المشاكل الكبرى التى تعاني منها الجهة. وفي طريق العودة من أعلى الجبل استوقفتنا عائلة المرحوم حسن حفيظ السالمي ودخلنا الى منزلها المتداعي للسقوط حيث يقطن 5 افراد في غرفة واحدة ومن سقفها تقطر بالمياه بعد ذوبان الثلوج. وأكدت أرملة حسن حفيظ السالمي أن السلط الجهوية أرسلت في فترات سابقة مرشديين اجتماعيين لكن بقيت الأمور على حالها مشيرة الى أن وضعيتها تنذر بالخطر بسبب الخصاصة والفقر في ظل غياب مورد زرق وتحتاج الى تدخل عاجل من طرف السلط الجهوية كما أن إحدى بناتها في حاجة أكيدة الى اجراء عملية جراحية، وقالت أن الخطر يداهمها في كل لحظة من خلال سقوط سقف الغرفة وانهيار الجدران نتيجة تهاطل الأمطار وتساقط الثلوج. كما ذكر ابنها (20 سنة) أن موجة البرد الاخيرة تسببت في مرض أغلب أفراد الأسرة مضيفا أن وفاة والده عمّق أزمة العائلة بعد فقدان السند ومورد الرزق الوحيد للأسرة وأن العائلة مهددة بالتشرد.