إن المائة ونيفا من الأحزاب التي رأت النور بعد الثورة، دون أي ماض نضالي، وأية مصداقية لعدد كبير من قيادييها أدت الى ارباك المشهد السياسي وتشتت كبير لأصوات الناخبين وضياعها هباء، كما أن مثل هذه الفسيفساء من «الحُزيْبات» تسببت أيضا في ضياع مليارين أو أكثر من المال العام، في وقت نحن في أشد الحاجة فيه الى ترشيد النفقات العمومية. فالسعي الحالي لعديد الأحزاب العريقة والحديثة للتجمّع في جبهات سيسمح بالتقليص بصفة ملموسة من ظاهرة التشتت هذه، وبرؤية سياسية أفضل للمواطن والناخب في الانتخابات القادمة. إلا أن تقلص الأحزاب المتنافسة في الانتخابات القادمة الى أربعين أو ثلاثين أو حتى عشرين، لن يحل المشكلة من أصلها، وسيبقى التشرذم سيد الموقف. لذلك فإن المجلس التأسيسي مدعو للانكباب على الموضوع عبر مراجعة بعض فصول قانون الأحزاب في اتجاه ارساء آلية للتثبت من مصداقية طالبي تأسيس الأحزاب وتمثيليتهم، حفاظا على سلامة العملية الانتخابية وعلى المال العام، فلا يعقل أن تموّل المجموعة العمومية أحزابا لا تمثل شيئا. وحتى لا يتسبب ذلك في إضاعة وقت كبير على حساب تحرير الدستور، يمكن تغيير أو إضافة فصلين أو ثلاثة للقانون المذكور، تمنع مثلا التمويل المسبق للأحزاب وتجعل هذا التمويل لاحقا بعد الحصول على نسبة معينة من الأصوات، أو ربط تسليم وصل تشكيل حزب بتقديم هيكلة وطنية وجهوية للحزب تؤكد امتداده الجغرافي، حتى لا تكون الأحزاب مجرد «دكاكين» لا تمثيل شعبي لها.. لأن الديمقراطيات تتأسس على أحزاب قوية وفاعلة وليس على مجموعات هشّة وفاقدة للتأثير الشعبي.