ما يلاحظ إثر ايقاف مدير جريدة "التونسية" هو شبه الاجماع بل هو إجماع على ضرورة تفعيل المرسوم عدد 115 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 أي قانون الصحافة الجديد الذي أعدته هيئة اصلاح الإعلام بالتعاون مع نقابة الصحفيين وخبراء في الإعلام والقانون وعدة أطراف أخرى. فسبحان مبدل الأحوال، فهذا القانون كان إلى حد وقت قريب عرضة لهجومات وتهجمات وانتقادات كثيرة بدأت على حد علمي على أمواج قناة نسمة وها هو بين عشية وضحاها يصبح المنقذ لحرية الصحافة والحامي للصحفيين.. لقد ذهب البعض مؤخرا إلى أنه نسخة من قانون 1975 الزجري الذي بعث أساسا لتكميم الصحافة وتدجينها. وتركزت الاتهامات أساسا على أنه احتوى على عقوبات بالسجن وذلك في حملة شرسة مقاصدها مفضوحة فالقانون وبإجماع ذوي النوايا الحسنة وأهل القطاع أو الاختصاص الذين لم يكن لهم أي تورط مع نظام الزين بابا من قريب أو بعيد، كان قفزة كبيرة نحو الأحسن والأفضل في نطاق حماية الصحفي وحرية الرأي والتعبير مقارنة مع القانون القديم كما أنه اقترب كثيرا بل التصق بالمعايير الدولية لحرية التعبير. والحملة التي شنت ضده رغم ايجابياته الكثيرة تزعمها أساسا أشخاص كانت لهم ارتباطات واضحة مع نظام بن علي وساهموا معه في تدجين الإعلام سواء بالمشاركة في الانقلاب على نقابة الصحفيين أو في تزعم حملة المناشدة لانتخابات 2014 أو دفعت إليهم أموال وكالة الاتصال الخارجي بسخاء لأداء خدمات لا يعلمها الا الله والهدف الخفي لهذه الحملة لم يكن في واقع الأمر الا الارباك والتشويش ولا شيء غير ذلك بدليل أن عديد الأصوات والأقلام التي هاجمت المرسوم هي نفسها من تطالب اليوم بتفعيله في أسرع وقت أي بدخوله حيز التنفيذ عوض المجلة القديمة لحماية الصحفيين وذلك في تفاعل مع إيقاف مدير جريدة التونسية. فما يلاحظ حاليا هو ان عديد المتورطين مع العهد البائد تورطا مباشرا لا لبس فيه أخذوا يسعون إلى العودة إلى الصدارة وذلك في قطاعات عديدة وفي مقدمتها قطاع الصحافة. فحرب الاستنزاف التي بقوا يشنونها في الخفاء منذ سقوط نظام بن علي تحولت إلى هجوم كاسح وبعد ان كانوا مختبئين فها هم يكشرون عن انيابهم ويعدون العدة للعودة للواجهة وهدفهم واحد وهو اغراق البلاد في مشاكل هامشية بهدف تأخير ساعة المحاسبة أقصى فترة ممكنة طمعا في أن يغدو الموضوع في يوم ما نسيا منسيا ب"التقادم" فلئن كانت للهيئة العليا لإصلاح الإعلام أخطاء فإن في مقدمتها وقد يكون أهمها هي أنها لم تجعل من ملف المحاسبة اولوية مطلقة للكشف عن اسماء الاعلاميين المتورطين في الوشايات وفي الدفع في اتجاه نشر القائمات السوداء في جميع القطاعات الصحفية او المرتبطة بها (الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والملحقون الصحفيون ومسؤولو وزارة الداخلية الذين لهم علاقة بالإعلام وظروف اسناد رخص النشريات او الإذاعات والتلفزات). فهذا الخطأ الذي أعتبره تكتيكيا هو الذي سهل هذه الهجمة الشرسة لأزلام العهد البائد ويشجعهم حاليا على بث سمومهم ويغذي حلمهم في العودة إلى الصدارة.