ليس من المجدي طبعا... بل ولا من الجدية - في شيء - أن تقع مقاربة ما أصبح يعرف بقضية "تحييد المساجد وعدم تسييسها" مقاربة سياسوية مرتهنة الى حسابات ايديولوجية آنية ضيقة أكثر منها معرفية/ ثقاقية/ اجتماعية... نقول هذا لا بهدف القفز على "المشكل" أو التعتيم عليه أو التضييق على من يريد الخوض فيه أو اثارته... بل نقوله لأن اثارته أضحت بالفعل ضرورية -لا فقط- اعتبارا لما شهدته عديد المساجد على امتداد الأشهر التي تلت الثورة من مظاهر و"أحداث" فوضوية عكست أشكالا شتى من الانفلات والتجرؤ غير المسبوق على حرمة بيوت الله وعلى عدد من الأئمة... وانما أيضا لأن المشروع الديمقراطي ذاته الذي يؤسس له التونسيون -راهنا- يستدعي من بين ما يستدعي ضبط حدود "مهام" و"اختصاص" كل مؤسسات المجتمع المدني ودولة القانون والمؤسسات... على أنه لابد من التأكيد - بالمقابل - على أهمية البعد الديني العقائدي في هذا "الملف" تحديدا وهو بعد حساس يجب مراعاته وأخذه بعين الاعتبار عند طرح "القضية" للنقاش ... فأن يقع الخوض في "المسألة" ضمن لجنة التوطئة والمبادىء الأساسية - مثلا - المتفرعة عن اللجان التأسيسية والتشريعية التي هي بصدد مناقشة التصورات العامة للدستور التونسي الجديد فهذا يبدو مفهوما ومقبولا ومستساغا... أما أن تتصدر بعض الأطراف الاعلامية والشخصيات السياسية والأكاديمية من ذوي التوجهات الايديولوجية المعلومة "المشهد" لتعطي الانطباع بكونها هي من يقود "الحملة المضادة" المطالبة بتحييد المساجد وعدم تسييسها فهذا قد يثير حفيظة الرأي العام الوطني وحسه الديني ويجعله يتوجس خيفة ولا يتعاون بل و"يتطرف" في مواقفه وردود أفعاله طبعا،،، يبقى من حق أي شخصية فكرية أو أكاديمية أو مؤسسة أبحاث أن يكون لها رأي في الموضوع... ولكن الدور المحوري في عملية المقاربة الثقافية والاجتماعية والشرعية للمسألة والبحث لها عن حلول مؤصلة يجب أن يضطلع به وبالأساس أهل الاختصاص... أما الشعارات السياسوية والتعاطي الاعلامي والايديولوجي الفلكلوري وغير الرصين مع القضايا و"الظواهر" فانه لا يقدم بل ربما يؤخر ويعفن... نعود ونقول أن ظاهرة "الانفلات" في بعض المساجد ومحاولات توظيفها لغايات لا تتوافق مع طبيعة دورها العلمي والحضاري المقدس الذي اضطلعت به تاريخيا هي قائمة وموجودة بالفعل هذه الأيام وأنه على جميع الأطراف المعنية وذات الصلة أن تتعاون من أجل أن تعود "الأمور" داخل بيوت الله - لا الى ما كانت عليه قبل الثورة - ولكن الى مدارها العلمي والحضاري الطبيعي...