شبّه الفنان الزين الصافي المشهد الثقافي والاجتماعي والسياسي وما يكتنفه من تجاذبات وتداعيات في بلادنا في هذه الفترة تحديدا بما عرفته وعاشته تونس سنة 1988. وهو يخشى وانطلاقا من تجربته الشخصيّة أن لا يكون هناك فرق بين موجة التفاؤل والترقب التي عقبت تاريخ 7 نوفمبر 87 وغمرت الجميع بما في ذلك الناشطين والعاملين في المجالات الفنية والثقافية والفكرية وما رافقها من وعود... ومثلها من الانتظارات وإطلاق العنان لأحلام بواقع ونظام لطالما رنا إليه كل مواطن تونسي حر إثر يوم 14 جانفي من السنة المنقضية من قبيل حرية الرأي والتعبير وفتح مجالات العمل والإبداع على مصراعيها والقطع مع الموانع والعراقيل والفساد التي طبعت سياسة النظام القديم. واكتفى بالقول أن التفاتة الأحزاب إلى الفنانين أو الأغنية الملتزمة التي يختص في آدائها كان ظرفيا أي خلال الحملة الانتخابية فقط حيث دعي للمشاركة في عروض وإحياء حفلات كانت في إطار الحملة الدعائية للإنتخابات لأحزاب فازت بمقاعد في المجلس التأسيسي حسب ما أفاد بذلك. وعلل عدم ظهور أعمال جديدة في الساحة الغنائية بالتغييب أو التهميش الذي عرفه القطاع سابقا من ناحية وبسبب غياب التشجيع والدعم اللازم للفنان والموسيقي من الهياكل والسلط الرسمية.
مسيرة التحدي
علما أن الزين الصافي لم يخفت صوته نزولا عند إرادة النظام البائد القمعي للكلمة الحرة والأغنية الملتزمة رغم التضييقات التي واجهها ولم يغير خطه الفني بل حافظ على هذا النمط واكتفى بالنزر القليل من هامش التعبيرة الحرية المبنية على الإيحاء والرمزية ولو في المناسبات القليلة التي كانت متاحة. يقول محدثنا:" أشعر أن سيناريو 23 سنة خلت يتكرر لكن بأبطال وأطوار مختلفة. فخلال تلك الفترة صدقت أن التغيير للأفضل وقدمت مجموعة من الأغاني الملتزمة التي تشدو بقضايا اجتماعية وإنسانية وشاركت في عديد المهرجانات والتظاهرات لكن قبل نهاية صائفة 88 أجبرت على عدم إتمام برنامجي من العروض التي التزمت بها ومنعت أغاني من البث في الإذاعات والتلفزة ومورست علي ضغوطات كبيرة من أجل ترك هذا النمط الفني كنقلي تعسفيّا للتدريس بساقية سيدي يوسف والابتعاد عن عائلتي والفضاءات التي أنشط فيها بقليبية". لكن مثل هذه الممارسات "السخيفة" كما يصفها الزين الصافي لم تثنه عن عزمه على وضع قواعد صحيحة لمسيرة فنية متميزة لأنه يعشق التحدي حيث يقول:" أنا لا أشعر بالإحباط أبدا في مثل هذه المواقف بل أكون في قمة التحدي وأكون أكثر إصرارا على إثبات ذاتي من خلال العمل من أجل التأقلم مع الوضع الجديد لأني أعتبر أن لكل وضع وظرف متطلبات خاصة تتطلب رؤية وكتابة ومواقف جديدة لكن دون تنازل." لذلك دعا الفنانين لاتباع هذا المنحى لكن كل على طريقته لأنه يعتبرها الطريقة أو السبيل إلى تجاوز مثل هذه المواقف على نحو لا يتأثر الفنان أو القطاع ككل بمختلف ألوانه وأنماطه.
لا للصوفية ورغم دعوته لضرورة التأقلم مع تحديّات الوضع الجديد حتى لا يصبح الفنان بوق دعاية فإنّ الزين الصافي رفض إمكانية خوض تجربة اللّون الصوفي مثلا أو الأنماط الغنائية التي ظهرت على الساحة وفسر ذلك قائلا:" لا فرق عندي بين اللون الصوفي أو الرّاب أو غيرها من الأنماط الموسيقية الأخرى وأنا لست ضدّها ولكن لا أرى نفسي فيها ولا أميل إلى أدائها." وفسر إقبال بعض الفنانين على أداء اللون الصوفي مثلا بشكل ملفت بأنه ليس سوى تلوّن مكشوف وتجلي لانتهازية واستشهد على ذلك بأغنية الشيخ إمام التي كتب كلماتها أحمد فؤاد نجم "حلا ويلا " التي تقول كلماتها:
حلا ويلا يا حلاويلا.. يا خسارة يا حول الله الثوري النَّوري الكلمنْجي.. هلابْ الدين الشفطنجي قاعد في الصف الأكلنجي... شكلاطة و كاراميلا.. يتمركس بعض الأيام... يتمسلم بعض الأيام ويصاحب كل الحكام.. وبسطعشر (16 )ملة..
وأكد أنه يردد هذه الأغنية في كل المناسبات التي تتيح له الغناء لأنها تختزل راهن الفنانين وأهل الثقافة أحوال الناس وأهل الثقافة والساسة. من جهة أخرى أكد محدثنا أن حالة الركود التي تخيم على الساحة لا يمكن للفنان بمفرده أن يغيرها إذا لم يكن مسنودا بإرادة قوية من سلطة الإشراف توفر على الأقل الحماية للفنان في هذه الفترة الحرجة. في المقابل بيّن أنه بصدد التحضير لأعمال جديدة من بينها أغنية من كلمات الراحل بلقاسم اليعقوبي "يا بن غذاهم" وعلل اختياره لأشعار قديمة بسبب غياب شعراء أو كلمات باللهجة الدارجة تعبر عن المرحلة.