كتبت أول أمس وتحت هذا الركن مقالا ذكرت فيه أن هيئة إصلاح الإعلام قد تكون ارتكبت خطأ استراتيجيا لما لم تضع في مقدمة أولوياتها فتح ملف محاسبة أصحاب المؤسسات الصحفية والصحفيين الفاسدين الذين تورطوا مع العهد البائد تورطا واضحا صريحا وساعدوه في ارساء جو الإرهاب والقمع و"فوتروا" خدماتهم القذرة هذه من أموال الشعب المسكين مساهمين بعملية "مص الدماء" هذه في تفقيره وتجويعه وتهميشه وأعود اليوم إلى هذا الموضوع من زاوية ثانية لأشير إلى ما أعتبره "فضيحة" مازالت متواصلة بعد الثورة. فأزلام النظام هؤلاء "ربّاوا الريش" أكثر بعد الثورة ودائما بفضل أموال المجموعة الوطنية وامتصاص دمائها. فقد تحصل بعضهم على رخص لإصدار صحف جديدة انضافت للقديمة لمزيد تشويش المشهد العام ولشن حرب استنزاف خفية وخبيثة ضد الثورة لقلب أولوياتها في التطهير والمحاسبة وتفكيك منظومة فساد العهد البائد ولجرها إلى الانحراف نحو أهداف ثانوية لا تقدم ولا تؤخر شيئا. وها هم وهذا ما اسميه "فضيحة حقيقية" يتمتعون إلى اليوم وبسخاء بصنبور الإعلانات الحكومية، أي بأموال الشعب هذا الشعب الذي ساهموا في إذلاله وترويعه وتفقيره. وإن تصفح أي وسيلة إعلام إن صح أن تسمى كذلك من بين هذه الصحف الصفراء المتورطة حتى النخاع مع بن علي يكشف عن ذلك. لقد ظننا بعد الثورة أن أصحابها و"صحيفيوهم" سيحاسبون الحساب العسير وسيطالبون بإرجاع المليارات نعم المليارات بل عشرات المليارات التي قبضوها دون وجه حق خلال عهد "الزين بابا" فإذا بنا نفاجأ وبعد عام من الثورة بأنهم لا يزالون يتربعون في صدارة المشهد و"يرضعون" من ثدي المال العام كما رضعوا من "رحيق" وكالة الاتصال الخارجي. إنني أعتقد أنه مازال أمام هيئة إصلاح الإعلام عمل طويل فعليها أولا أن تضغط على وزارة الداخلية في اتجاه كشف قائمات الصحفيين المخبرين مع العلم أن هناك خيطا رابطا بين قائمات المنتفعين ب"هبات" وكالة الاتصال الخارجي وبين العمل لفائدة مصالح الاستعلامات بوزارة الداخلية كما أن عليها أن تنكب على ملف الإشهار العمومي وطريقة توزيعه بالعدل والقسطاس على أن يستبعد من قائمة المنتفعين به كل من انتفع به في السابق دون وجه حق وأن تجري محاسبته على ذلك. إنه على الحكومة الحالية أن تتعاون مع الهيئة العليا لإصلاح الإعلام في هذا الاتجاه إذا كانت تريد حقا أن ترسل للقطاع إشارة واضحة على أنها عازمة على تفكيك منظومات فساد العهد البائد وعلى تحقيق أهداف الثورة في انبثاق إعلام حر ومسؤول وتعددي و... نظيف.