كنت قد كتبت مقالاً عن الثّورة الثقافية في جريدة «الشعب» بتاريخ 23 أفريل 2011. وأكّدت أنّه لم يحدث شيء من تلك الثورة التي كنّا نبحث نحن الكتّاب والمبدعون مهندسو الأرواح وصانعو المستقبل. لقد ظلّت وزارة الثقافة متخلّفة ألف عامٍ عمّا يجب أن يحدُث وبعيدة عمّا يلبّي مطالب الجماهير. لقد تعلّل السيد وزير الثقافة الخائف من كلّ شيء حتّى من ظلّه، بأنّه لا يستطيع حلّ اللّجان الثقافية المحلية والجهوية التي كانت طوال نصف قرن شُعَبًا دستورية تكرّس الفكر الواحد نسبة إلى الزّعيم الواحد والجهل المقيت والدّعارة الثقافية لصانع التغيير. حيث تمّت مُفاحشة الكتاب والفنانين والاعلاميين من قِبَِل الدّكتاتور الهارب الذي ترك هنا أكثر من دكتاتور في الأوساط الثقافية والاعلامية. فأزلام النظام الثقافي التي حطّمت بِنْيتي الرّوح والعقل نعرفها اسمًا اسمًا. فكلّ من ناشد الرئيس الفارّ في انتخابات 2004 و2009 و2010 وكلّ من كتب ودعّم وكرّس ورسّخ ونفخ وزمّر وطبّل ولهف وسرق ولاوطَ وساحقَ النظام لابدّ من سَحْله، لأنّ من تربّى على شيء شاب عليه. لذلك على السيد وزير الثقافة القادم اقالة جميع مندوبي الثقافة حالاّ ومن غير تردّد والاثباتات عليهم وعلى مديري دور الثقافة (إلاّ ما ستر ربّك وكان مغلوبًا على أمره) هي خدمة النظام وصرف المليارات على احتفالات واضحة لا غبار عليها. فتمسّك المندوبين ومديري دور الثقافة واللّجان الثقافية المحلية والجهوية بإنجاز المهرجانات والملتقيات وطلب الدّعم إنّما هو من قبيل نيل الدّعم الماليّ للتغطية على العجز والسّرقات القديمة والانتهاكات الصّارخة للذّوق الثقافي العامّ. لذلك يجب إيقاف كلّ المهرجانات والملتقيات التي ساهمت في تكريس نظام بوليسي قامع وتدجين عشرات الصّحافيين والكتّاب لكتابة التقارير الأمنية، لأنّ بن علي لم يكن لينتصر علينا إلاّ بجعل أهل الثقافة (وماهم من الثقافة في شيء) سيوفًا مسلّطة على الرّقاب فكان المشرفون على الثقافة أطبّاء تجميل للنّظام وقتلةً للمواهب الجديدة وطمسًا للمعنى وإتلافًا للعقل وشنقًا للرّوح. ولا أحد اليوم (من المشرفين على الصحف الصفراء ومالكي الصحف الغبراء وقنوات الدعارة الثقافية وماسكي زمام الجمعيات والمجلاّت الثقافية) أن ينكر أنّه خدم النظام وكرّس الجهل والتخلّف وأجرمَ في حقّ الشّعب. وهذا ينسحب على الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب التونسيين الذي تحوّل في عهد الميداني بن صالح وصلاح الدين بوجاه وجميلة الماجري وأعضادها إلى شعبة دستورية ولجنة تنسيق همّها كتابة التقارير الأمنية في الكتاب المناوئين أو الرافضين للنظام وتجميل صورة هذا الأخير بتدبيج آلاف الصّفحات عنه ونشر مئات الكتب والمقالات. والأمر ينسحب على مجلّة الحياة الثقافية التي كانت تنشر خطابات بن علي (في كلّ عدد) على أنّها فتح مبين منذ 1996 مع حسن بن عثمان والمنجي الزيدي وجمال دراويل الذي سقط فجأة على مجلّة الحياة الثقافية دون أن نعرفه من قبْلُ ودون أن يكون من أهل الثقافة المغيّرة للمسارات. ولا أدري كيف استطاع الوصول إلى رئاسة تحرير مجلّة دون أن يكون من رجال الاعلام أو الأدب فهو مجرّد شارح نصوص تراثيّة عن الأولياء الصالحين والزّوايا والأشكال السّطحية للتصوّف مثله مثل مدرّسين كثر. لقد عمد كلّ رؤساء تحرير مجلة الحياة الثقافية الى نشر خطابات كاملة أو مقتطفات وصور لبن علي (الذي كان يملك فلسفة عظيمة وفكرًا خلاّقًا حسب رأيهم وهم في كامل مداركهم العقلية!) والأعداد الصادرة من المجلّة نملكها وحدة واحدة خاصة العدد المخصّص لفكر السابع من نوفمبر العظيم ولفلسفة صانع التّغيير سوّد اللّه وجهه! في نوفمبر 2007 وفيه دراسة واسع صداها للأستاذة ألفة يوسف عن الفكر الخلاّق لبن علي... وكوارث أخرى لا تُحْصَى! ومطلبي من السيد وزير الثقافة القادم عزل وكنس كلّ من دمّر الثقافة التونسية وجمّل صورة نظام دكتاتوري مافيوزي. ولا أعتقد أنّ السيد جمال دراويل بمعزل عن ذلك. أو السيد صلاح الدين بوجاه الذي مازال يرأس المركز الثقافي التونسيّ في طرابلس وينال مرتبه الكبير بالعملة الصعبة اضافة الى الامتيازات المذهلة لمناشد من الصّنف الأوّل لنظام جثم على صدور الناس وقطع أنفاسهم وأوصالهم. خلاصة القول يجبُ إيقافُ هيئة تحرير مجلّة الحياة الثقافية بكاملها. ويجبُ إيقاف مدير المركز الثقافي التونسي في ليبيا وعزل أغلب مندوبي الثقافة ومدير بيت الشعر وحلّ جميع اللّجان الثقافية المحلية والجهوية والوطنية ومحاسبتها على الأموال المهدورة، لأنّ ما أُهدرَ في وزارة الثقافة خلال ربع قرن يعادل تشغيل مائة ألف من أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل فقط لأنّهم قالوا «يسقط حزب الدستور، يسقط جلاّد الشعب!». إنّنا نبحثُ عن ثقافة زرقاء أي حارقة وفاعلة وجادّة وليست ثقافة المسوخ!