قرار الادارة الأمريكيّة بالابقاء -وبعد أكثر من عام على سقوط نظام القذّافي- على الاطار القانوني الّذي يسمح بفرض عقوبات دوليّة على ليبيا قد لا يبدو مبرّرا ولا مستساغا.. فليبيا القذّافي الّتي كانت تعتبر في نظر الغرب "دولة مارقة" انتهت وزالت برحيل القذّافي وأبنائه.. بل انّ هذا القرار الأمريكي قد يبدو عجيبا أصلا عندما يستحضر المتابع أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة نفسها ومعها مجلس الأمن الدّولي قد سبق لهما أن رفعا جزءا كبيرا من هذه العقوبات في السّنوات القليلة الأخيرة من حكم العقيد.. الرّئيس باراك أوباما برّر القرار بالقول أنّ الوضع في ليبيا ما بعد القذّافي لايزال يمثّل "تهديدا غير اعتيادي واستثنائي للأمن القومي الأمريكي والسّياسة الخارجيّة للولايات المتّحدة الأمريكيّة" طبعا يبقى من حقّ الادارة الأمريكيّة أن تفكّر في مصالحها الاستراتيجيّة وفي أمنها القومي ولكن يبقى مطلوبا منها أيضا أن تضطلع بواجبها السّياسي والأخلاقي في مساعدة الشّعب اللّيبي على ترتيب أوضاعه الدّاخليّة سياسيّا وأمنيّا.. ولا نظنّ أنّ ابقاء ليبيا ما بعد القذّافي واقعة تحت سيف وطائلة العقوبات الدّوليّة من شأنه أن يساعد على الدّفع بالأوضاع الأمنيّة والسّياسيّة في ليبيا نحو مداراتها الطّبيعيّة أي نحو اقامة الدّولة اللّيبيّة الجديدة المدنيّة والمستقرّة.. يبقى أنّ الحقيقة الجوهريّة الكبرى الّتي جاءت بها الثّورات العربيّة في كلّ من تونس ومصر وليبيا والّتي مفادها أنّ الشّعوب قادرة على أن تتولّى أمرها بنفسها وأن تمضي قدما في اقامة مشروعها التّحرّري والاصلاحي هي الّتي تجعلنا -وعلى الرّغم من كلّ هذه المنغّصات الأمنيّة والسّياسيّة الّتي لا تزال قائمة في "المشهد اللّيبي" راهنا- نأمل في أن يتوفّق الاخوة اللّيبيّون في تجاوز المرحلة الانتقاليّة والدّخول" بثورة 17 فبراير" الشّجاعة في مسار البناء بعيدا عن أيّة تجاذبات سياسيّة أو عشائريّة أو مذهبيّة.. مطلوب من الشّعب اللّيبي الشّجاع الّذي أطاح بنظام القمع والتّجهيل والتّدجيل السّياسي الّذي ظلّ قائما على امتداد أكثر من أربعة عقود بزعامة القذّافي وزمرته أن يقطع وفي أقرب وقت مع مقولات العشائريّة وواقع الانفلات الأمني وأن يتعاون مع السّلطة السّياسيّة الجديدة ومع الجيش اللّيبي في التّمكين لمشروع الدّولة اللّيبيّة الجديدة المدنيّة والدّيمقراطيّة.. وما من شكّ أنّ توفّق هذا الجيش الفتيّ في اعادة النّظام والأمن وفرض سلطة الدّولة وهيبتها في مدينة "الكفرة" الصّحراويّة اللّيبيّة الّتي شهدت خلال الأيّام القليلة الماضية مواجهات قبليّة وعشائريّة مؤسفة ومتخلّفة مؤشّرا يبعث على التّفاؤل على الرّغم من كلّ مظاهر فوضى السّلاح الّتي لا تزال للأسف قائمة في ليبيا الجديدة.