أمريكا لها يد في التغييرات بالمنطقة العربية والإسلامية.. ونيتها في التغيير أعلنت عنها منذ سنة 2003 طارق رمضان من مشاهير المفكّرين العرب والمسلمين بل هو من مشاهير المفكرين المعاصرين في العالم حتى وإن كان معروفا من خلال موقع "اليوتوب" على الإنترنيت... ومن خلال التلفزيونات الغربية أكثر منه من خلال كتبه وذلك وفق ما أكده بنفسه مساء أمس بتونس العاصمة أثناء لقاء إعلامي جمعه بعدد من ممثلي الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية بالبلاد. طارق رمضان المفكر الإسلامي المعروف بقوة الحجة وبالقدرة على مقارعة الآراء هو أستاذ الدراسات الإسلامية المعاصرة بجامعة أكسفورد وهو مثقف من أصل مصري (حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بمصر حسن البنّا ) ويحمل الجنسية السويسرية وهو معروف بالخصوص بأبحاثه حول الإسلام والعصر ومكانة الإسلام في المجتمعات الغربية. حل المفكر ضيفا ببلادنا بدعوة من مكتبة الكتاب بتونس ليومين وهي زيارة يقول أنها تأتي بعد 23 سنة لأن بلده ( سويسرا نبهته إلى أنه قد يكون غير مرغوب فيه في تونس التي كان يحكمها بن علي ). لكنه وإن لم يحل بيننا بعد الثورة مباشرة شدد على أنه ومنذ عام تقريبا يلاحظ ما يجري في تونس باهتمام بالغ خاصة وأن كتابه الجديد"الإسلام والصحوة العربية" الذي صدر في نوفمبر من العام الماضي عن دار شاتلي للنشر مستلهم مما يعرف اليوم بالربيع العربي وأنه خص تونس بالجزء الأول من الكتاب حيث حيّى الانتفاضة التونسية وباركها. شمل برنامج الزيارة في يومها الأول (أمس السبت) وبالإضافة إلى اللقاء الإعلامي مائدة مستديرة بالمجمع التونسي بيت الحكمة حول"التعايش بين الإسلاميين والعلمانيين"بحضور عدد هام من المفكرين من تونس نذكر من بينهم الأساتذة هشام جعيط وحمادي الرديسي ويوسف الصديق وصلاح الدين الجورشي وغيرهم ومقابلة مع رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي الذي قال عنه أنه عرفه في فرنسا قبل أن يعتلي هذا المنصب وعرف فيه المدافع عن حقوق الإنسان والمتشيع للديمقراطية. أما برنامج اليوم الثاني للزيارة ( اليوم الأحد ) فيضم بالخصوص ندوة يتولى فيها تقديم كتابه الجديد بقصر المؤتمرات بالعاصمة ويكون اللقاء مشفوعا بحوار مع المؤلف يديره الأستاذ محمد الطالبي. تناول اللقاء الإعلامي الذي انطلق حوالي الثانية والنصف بعد الزوال بالأساس مواقف المفكر الإسلامي مما يعرف بالربيع العربي وأساسا من الثورة التونسية. لا يحبذ طارق رمضان الحديث عن ربيع عربي لأنه مثلما أكد على ذلك في مختلف المناسبات وباستثناء تونس التي حدث فيها التغيير السياسي بأخف الأضرار فإن ما حدث في مصر واليمن وليبيا وما يحدث في سوريا لا يمكن أن نسميه ربيعا. لا يحبذ طارق رمضان كذلك الحديث عن ثورات عربية والمصطلح الذي يراه يعبر عما حدث في تونس بالضبط هوالانتفاضة. فخ القطبين.. الإسلامي والعلماني ويشدد في هذا الخصوص على أن الحديث عن انتفاضة في تونس لا يقلل من أهمية الحدث الكبير الذي عاشته بلادنا في 14 جانفي 2011 والذي جعلها محط أنظار العالم بل كل ما في الأمر أنه يسعى لوضع الخطاب في سياقه الصحيح. فإن كانت بلادنا حسب قوله قد تخلصت من الرئيس بن علي بسرعة فإن عملية البناء ستطول وستكون صعبة. ومن هذا المنطلق فإن طارق رمضان يدعو التونسيين لتجنب التوجه الذي يحصر الحوار بين قطبين أي بين الإسلاميين والعلمانيين لأن ذلك من شأنه أن يلهي المجتمع التونسي عن طرح الأسئلة الجوهرية والحاسمة كي تتحقق ثورة حقيقية في البلاد. الثورة بالنسبة له يجب أن تكون سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية. هناك أسئلة حسب رأيه أهم بكثير من حصر الحوار في لباس المرأة المسلمة ومن بينها أي اقتصاد نريد وأي تربية نخص بها أولادنا ومتى نكف عن إرسال أبنائنا إلى الخارج ليحصّلوا تعليما جامعيا عصريا إلخ... المفكر الإسلامي طارق رمضان يعتبر أن الإنتفاضات العربية التي بدأت في تونس ثم توسّعت إلى عدد آخر من البلدان العربية تمت بشكل تلقائي لكن نيّة التّغيير في المنطقة عند القوى الخارجية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة موجودة من قبل وقد عبرت هذه القوى عن رغبتها في ذلك منذ سنة 2003. من الخطير أن تكون لهذه القوى حسب نفس المتحدث نوايا في المنطقة لكن الأخطر من ذلك أن لا نعرف ماذا تريد هذه القوى في نهاية الأمر ومن هذا المنطلق فإنه يرى أن النموذج التونسي مهم جدا. إنها فرصتنا حسب رأيه كي نأخذ كتونسيين الأمور بأيدينا وأن نصبح فاعلين لا مفعول بنا. فإن كانت رغبة أمريكا مثلا في أن تتحكم في المنطقة العربية والإسلامية بالدفع نحو التغيير على طريقتها أمر واقع فإن الوعي بذلك قد يقودنا في تونس مثلا إلى أن نمسك زمام الأمور بأنفسنا وأن نستثمر هذه الرغبة لصالحنا ولصالح المنطقة العربية والإسلامية لا لصالح القوى الكلاسيكية كأوروبا وأمريكا أو الفاعلين الجدد كالصين مثلا. الإسلام السياسي لم يندثر أبدا وإذ ينفي المفكر العربي أن تكون الحركات الإسلامية وراء الثورات العربية فإنه يرى أن وجودها اليوم في تونس وفي مصر مثلا دليل قاطع على أن عديد المنظرين والمحللين السياسيين في العالم من بينهم "جيل كيبيل " الذين تنبأوا بموت الإسلام السياسي كانوا بعيدين عن الحقيقة. الإسلام السياسي لم يندثر ابدا حسب طارق رمضان وهو يقول في هذا الشأن:" الإسلام السياسي كان معذبا ومهجرا واليوم فإنه موجود ويتصدر المشهد السياسي". وفي تعليقه على الصراعات على الساحة السياسية في تونس اليوم يقول المفكر المصري أنه ليس من المنطقي أن ننازع الإسلاميين شرعيتهم وحقهم في ممارسة السلطة التي وصلوا إليها بشكل ديمقراطي وإن كان لابد من محاسبة فلتكن محاسبة على النتائج والإنجازات. سئل طارق رمضان في عديد المرات خلال نفس اللقاء عن كيفية حسم الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين. الجواب بالنسبة له يتمثل في إقامة حوار جدي وغير سخيف وغير منفعل ويكون بعيدا عن الإبتذال وهو إن كان قد أعلن أنه ضد السلفيين الذين يرون أنفسهم مسلمين أكثر من غيرهم فإنه يرى من جهة أخرى أن التعددية الثقافية في تونس وانفتاح التونسيين على الثقافة الغربية والفرنسية منها بالخصوص وإن كانت مصدرا للثراء الثقافي والحضاري فإن النخب التونسية مطالبة بأن تنزع من ذهنها فكرة محاولة إثارة اعجاب الفرنسيين. الإشكال بالنسبة له يتمثل في وجود نخبة في تونس تحمل جواز سفر تونسي لكن عقلها فرنسي. دعوة الرجل كانت صريحة إلى ضرورة أن تشعر النخب أن الإسلام لا يعني بالضرورة ان يتعارض مع الديمقراطية وهو يستدل على ذلك بالنموذج التركي وأن العلمانية لا تعني بالضرورة دائما الديمقراطية.