الوسطاء سبب الغلاء.. والضغط مطلوب من وزارة التجارة - في الوقت الذي تتزايد فيه تشكيات المستهلك من ارتفاع الأسعار وكثرة تجاوزات تجار الجملة والتفصيل تغيب فيه هياكل الدفاع عن المستهلك الذي يجد نفسه دون «حماية» في مواجهة «غول» الأسعار الذي يستنزف جيبه ويستنزف ميزانيته العائلية خاصّة.. منظمة الدفاع عن المستهلك كانت من أبرز المدافعين عن حق المستهلك بحيث كانت تعمل على تعديل الأسعار بما يستجيب لإمكانيات المستهلك التونسي وتقاوم الاحتكار والبيع المشروط.. في السنوات الأخيرة تقلّصت نجاعة تدخّلات المنظّمة لتصل حدودها الدنيا حتّى باتت تسمّى من باب التندّر «منظمة عدم الدفاع عن المستهلك».. لكن بعد الثورة وكغيرها من المنظمات سعت للالتحاق بالركب الثوري واليوم نجد هذه المنظمة بمكتب وطني جديد وبنفس وتصوّرات جديدة ورغم أن تسليم المهام فعليا لم يحدث رغم انتخابات المكتب الوطني الاّ أن ذلك لم يثن المكتب الوطني عن الأخذ بزمام المبادرة في ملفات ارتفاع الأسعار واحتكار المواد الأساسية التي تبقى من الملفات الهامة التى انكبّ المكتب الوطني على دراستها وإيجاد الحلول الكفيلة بعد الانفلات الذي شهدته البلاد وتفاقم مسالك التوزيع غير المنظمة. وقد أوضح رئيس المنظمة لطفي الخالدي في اتصال جمعنا به «أن المنظمة سعت الى تقديم اقتراحات ضافية لوزراة التجار في ما يتعلّق بالتهاب الأسعار مع تدنّي المقدرة الشرائية للمواطن.. ويضيف الخالدي «الإشكال الذي نواجهه اليوم هو أن الأوضاع الاستهلاكية تختلف من جهة الى أخرى فأسعار اللحوم التي تشهد ارتفاعا قياسيا في بعض الولايات مثل تونس العاصمة تقابلها أسعار معقولة في ولايات أخرى.. كما أن موجات البرد في بعض المناطق حتّمت احتياجات معينة وفقدان لمواد اعتبرت أساسية كالبنزين الأزرق وهو ما جعل مشاكل الاستهلاك تتنوّع بتنوّع الظروف والمنتوجات والمناطق.. ونحن من موقعنا كمنظمة تعنى بالشأن الاستهلاكي قمنا بدراسة أبرز استخلاصاتها والتي على ضوئها قدّمنا مقترحاتنا وهي لا بدّ من الموازنة بين المعادلة الصعبة وهي شكوى الفلاح الذي يضطر لبيع منتوجه بسعر منخفض وشكوى المستهلك الذي يشتري المنتوج بسعر مرتفع وبين الفلاح والمستهلك يستفيد الوسيط أو المضارب وبالتالي لا بدّ أن تقوم مصالح وزارة التجارة بالضغط على الوسطاء واستعمال القانون في ردعهم... وتبقى مسالك التوزيع من أبرز أسباب شطط الأسعار ولا يكفي لحلها التخفيض في أسعار بعض المنتوجات بالمبادرات الاتفاقية خصوصا وأنه في بعض المنتوجات كاللحوم يبقى العرض أقل من الطلب.. وعلى الحكومة بصفة عاجلة ايجاد حل للتهريب العشوائي للبضائع خاصّة وأن الضغط الاجتماعي في تصاعد بطبعه وحتى مسالك التوزيع الداخلي يجب مراقبتها بصرامة».
علي المكي (حركة أوفياء لدماء الشهداء) :الداخلية ترفض التعاون مع القضاء العسكري وتمكينه من مستندات الإدانة يصعب على الرأي العام تفهّم الأسباب التي تحول دون الحسم في ملف الشهداء والجرحى.. ورغم التصريحات الرسمية التي تؤكد مرارا وتكرارا أن هذا الملف هو من أولويات الحكومة المؤقتة ورغم أن صورة الشهيد لا تزال توشّح ياقة رئيس الجمهورية كالتزام غير قابل للنكوص من طرفه في محاسبة قتلة الشهداء غير أن انجازات الواقع تدحض الوعود والعهود. عائلات الشهداء والجرحى متشبثة بالقصاص قانونا ممن تسبّب في هدر أرواح أبنائهم وتؤكّد أنها باتت تشكّ في وجود رغبة سياسية حقيقية للمحاسبة وأن القضية تريد أطراف حصرها في التعويضات المالية دون تتبّع للجناة.. اليوم وقفة احتجاجية لعائلات الشهداء والجرحى.. أعلنت عائلات الشهداء والجرحى أنّه سيتم اليوم تنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة الدفاع الوطني لطرح مطالب عاجلة خصوصا بعد التوتّر الذي ساد أجواء المحاكمة الأخيرة لشهداء القصرين وتالة بالمحكمة العسكرية بالكاف.. ومن بين أبرز المطالب إيقاف المتهمين بالقتل العمد في قضايا الشهداء والجرحى وتكليف منظمات حقوقية لمراقبة جلسات قضايا الشهداء والجرحى وإلزام وزارة الداخلية على التعاون مع القضاء العسكري في ما يفيد ويكشف حقائق أحداث القتل خلال الثورة مع إجبارية حضور المتهمين بحالة سراح للجلسات المعلنة. وستؤكّد عائلات الشهداء على ضرورة حماية الشهود ومحامي القائمين بالحق الشخصي وعدم تعرضهم لأي ضغط وفتح تحقيق في ترقية الأعوان والمسؤولين الأمنيين الذين تمت ترقيتهم رغم اشتباه تورّطهم في قضايا جنائية إبان الثورة.. غياب الرغبة السياسية في المحاسبة حركة أوفياء لدماء الشهداء المكونة من عائلات الشهداء والجرحى وبعض نشطاء المجتمع المدني ورغم أنها حركة تطوعية لا تحمل الصبغة القانونية للعمل الجمعياتي الاّ أنها تجاهد لإيصال صوت عائلات الشهداء لكل المتدخلين في هذا الملف الدقيق والحسّاس.. علي المكي عضو بهذه الحركة وأخ الشهيد عبد القادر المكّي الذي قتل رميا بالرصاص في مدينة دقاش وقاتله ما زال ينعم بالحرية وقد أكّد علي المكي في اتصالنا به «أنه منذ بدء المحاكمات ظهر لنا جليّا أنه لم تكن هناك رغبة حقيقية في المحاسبة من كل الحكومات المتعاقبة بما فيها الحكومة الحالية». سألنا محدّثنا عما دفعه للاعتقاد بأن ليس هناك نية جدية للمحاسبة فأكّد «هناك خفايا وكواليس سياسية تدعم ما ذهبنا اليه لكن رغم ذلك هناك معطيات مكشوفة فبعد أن راجت أخبار متعلقة باعتزام الترويكا تعيين محمد عبو على رأس الداخلية اعترضت أطراف أمنية متنفذة داخل هذه الوزارة على نوايا التطهير وهو ما شكّل لنا اعتقاد بأن نية تغيير عقلية التعتيم ومحاسبة رموز الفساد غير مطروحة خاصّة على مستوى هذه الوزارة..» جرائم دون تحقيق.. احتجت عائلات الشهداء على جلسة المحاكمة الأخيرة واعتبرت أن هناك استهانة واضحة من طرف أطراف عدّة بالمحاكمة وبعدالة قضية الشهداء وعن ذلك يقول علي المكي «أن تجد قضايا متعلّقة بجرائم قتل للشهداء تحال الى المحكمة دون تحقيق كما هو الحال في قضية الشهيد الكسراوي في القيروان بحيث اعترف القاضي بالمحكمة العسكرية بالكاف أن هذه القضايا أحيلت على المحكمة دون مباشرة أعمال التحقيق ومحاولة تفكيك ملابسات القضية هو في نهاية الأمر نعتبره تهاونا مقصودا، أضف الى ذلك كيف لمتهم بالقتل العمد أن يبقى في حالة سراح شرطي؟.. والأخطر من كل ذلك أن ترفض وزارة الداخلية التعامل مع القضاء العسكري فلا تمدّه لا بالتسجيلات ولا بما حدث بقاعة العمليات عند وقوع أعمال القتل هذه ولا معلومات عن الفرق الأمنية التي كانت متواجدة بالأماكن التي تمت بها أعمال القتل.. فهل من المعقول أن لا تكون وزارة الداخلية على بينة من كل هذه المعطيات وهي التي تحكم السيطرة أمنيا على الفضاء التونسي بأكمله؟.. ماذا تريدون أن نفهم من ذلك غير أن الحكومات المتعاقبة لم تكن لها رغبة جدية في محاسبة الجناة الذين مازالوا الى الآن ينعمون بالحرية والترقيات والامتيازات فالحكومة تريد «تمييع» هذه القضية بسنّ التعويضات التي كان من المفروض أن يقدّرها القضاء على حسب الضرر الحاصل أي بعد إتمام أعمال المحاسبة وإصدار الأحكام الباتة.. وبالتالي نعتقد نحن كعائلات شهداء أن هناك نية لطمس الحقائق أكثر من نية محاسبة الجناة»
عز الدين سعيدان :تساؤلات حول مصير ملفات الفساد.. عكفت اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الفساد والرشوة طوال الأشهر الماضية على دراسة عدة ملفات ذات الصلة بأعمال الفساد والرشوة التي تفشّت بشكل كبير أثناء مدة النظام البائد مع احترام قرينة البراءة للمورطين في هذه الأعمال إلى حين بتّ القضاء في المسألة قانونيا.. نسق بطيء للنيابة العمومية.. اليوم هناك إشكالات معينة تواجه عمل اللجنة..وفي اتصال جمعنا بالأستاذ عزالدين سعيدان عضو» اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الفساد والرشوة « إشكالات الراهن تتعلّق أساسا بمصير ما تسنّى جمعه من ملفات ؛ والمسألة الأولى تتعلّق خاصّة بمصير هذه الملفات التي تمت دراستها وإحالتها على النيابة العمومية؛ لكن تعاطي النيابة مع هذه الملفات يتم بنسق بطيء جدّا وهو نسق لا تحتمله طبيعة المرحلة فالبلاد ترنو إلى المصالحة الوطنية وتحقيق هذا المصالحة يفترض التعجيل بالمحاسبة؛ فمن أجرم لا بدّ أن ينال جزاءه والبريء ينبغي ردّ الاعتبار له..وهذا النسق البطيء في الحقيقة يثير تساؤلاتنا خاصّة أنّنا كنّا نتصوّر نسق أسرع بكثير خصوصا أن الملفات مدروسة بدقة وموثقة ففي مثل هذه المواضيع يكون الوقت ثمينا ولا يجب أن يهدر.. والعقبة الكبيرة التي تواجه ما أنجز من عملنا هو أنّنا أصبحنا بوضع استحالة قانونية بعد وفاة رئيس اللجنة باعتبار أنه كان المخوّل القانوني الوحيد للحديث باسم اللجنة هو رئيسها الدكتور عبد الفتاح عمر..» الحكومة وتفعيل مرسوم الهيئة.. يبدو التقييم متباينا لأداء الحكومة فيما يتعلّق بملفات الفساد اذ يقول سعيدان:» اللجنة في عملها طوال الأشهر الماضية لم تكتف بدراسة ملفات سابقة تحوم حولها شبهة الفساد لكنها فكّرت أيضا في المستقبل بالقياس على تجارب مماثلة في دول مرت بظروف مشابهة..لنقيّم أسباب النجاح لو كانت موجودة ونعمل وفقها وكذلك تقييم أسباب الفشل ونتفادها .. وكل هذا أدّى إلى وضع منظومة متكاملة لمقاومة الرشوة والفساد.. ولكن إلى الآن لم تعمل الحكومة على تفعيل المرسوم المتعلّق بإحداث هيئة قارة لمقاومة الفساد والرشوة نقوم بتسليمها ما في عهدتنا من ملفات وذلك لن يتم إلاّ بتعيين رئيس لهذه الهيئة وأعضاء حتى نتمكّن نحن من تسليم عملنا وتقوم هذه الهيئة بمواصلة أعمال التقصّي حول الرشوة والفساد في إطار قانوني.. «تلكؤ» إجرائي سألنا الدكتور عزالدين سعيدان حول الأسباب الحقيقية التي يعتقد أنها كامنة وراء هذا التلكؤ فأكّد «أنه من الصعب التكهّن بأفكار الناس لكن ربما هناك نوع من التحفّظ فيما يتعلّق بإتمام معالجة هذه الملفات من طرف هيئة تتمتّع بصلاحيات مستقلة وتكون محايدة ودون ضغوطات.. ونحن نأمل ونطالب بالإسراع في إجراء إنشاء هذه الهيئة ففي حوزتنا ملفات هامة نجاهد لحمايتها لكن ويجب أن يستمر الاشتغال عليها لفضّ الإشكالات المتعلقة بها والتمهيد لمصالحة حقيقية تقوم أساسا على المحاسبة. وبالنسبة للحكومة فما أريد التأكيد عليه هو أنّنا يجب أن نتفق أنّنا في حاجة ماسة إلى مصالحة وطنية على مستوى القضاء وعلى مستوى إحداث هيئة قارة تعنى بمكافحة الفساد والرشوة..