أشار غازي الجريبي رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية إلى أن الإشكال لا يكمن في الهياكل الرقابية بل في منظومة الرقابة في حد ذاتها الخاضعة إلى اليوم، للسلطة التنفيذية. واوضح، في رده على تساؤل "الصباح" حول ما إذا كانت الرقابة اليوم متوفرة بالشكل الكافي في هذه المرحلة الانتقالية للحد من التجاوزات والفساد المالي والإداري الذي كان متفشيا في الفترة السابقة... بأن الهياكل التي جعلت لتسليط الرقابة على تصرف السلطة التنفيذية والهياكل التابعة لها، تخضع في نشاطها وتحركها لترخيص وإذن بمأمورية من طرف الوزير الذي يعد في حد ذاته سلطة سياسية. وبالتالي فإن الجهات المعنية بمراقبة السلطة التنفيذية والإدارات التي تتصرف في الأموال العمومية تخضع لسلطة تلك الإدارة. ويضيف رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية أن الأخطر يتمثل في تحديد الوزير لمجال تحرك هياكل الرقابة بمعني أنه في مراقبة هيكل ما كالبنوك مثلا يمكن أن يحدد المجال الذي تتم مراقبته وقد يحدد مراقبة القروض رغم أن الإخلالات والتجاوزات تسجل عادة في القروض كما كان يحصل في العهد البائد.
هيئة مستقلة
ويعتبر محدثنا أن الحل يكمن في فك الارتباط بين هياكل الرقابة والسلطة التنفيذية واحداث هيئة إدارية أو عمومية مستقلة تتولى تحديد الإدارات التي ستخضع للرقابة وفقا لمعايير موضوعية وحسب دورية معينة. ويؤكد رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية أنه تم الاتصال بالحكومة الحالية من أجل احداث هذه الهيئة وهناك توجه لإعداد مشروع في الغرض. وسيجمع الهيكل المزمع إحداثه الهيئة العليا للرقابة المالية والإدارية وهيئات الرقابة الثلاث(هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية وهيئة الرقابة العامة للمصالح المالية وهيئة الرقابة العامة للمصالح الاملاك الدولة).
تقييم السياسات العمومية
ينتظر أيضا إحداث نواة داخل الهيئة المستقلة للرقابة تعنى بتقييم السياسات العمومية لأنه لا يوجد أي هيكل مختص في هذا المجال. وبين غازي الجريبي في هذا الصدد أن التوجه في العالم اليوم أصبح أكثر فأكثر نحو تنفيذ الميزانية وفق الأهداف مما يحتم ترك حرية أكبر للمتصرفين العموميين والتحول من المراقبة القبلية إلى المراقبة اللاحقة وهو توجه يفرض وجود نواة لتقييم تنفيذ السياسات العمومية. بالتوازي مع ذلك سيتم العمل على إيجاد مدونة سلوك لهياكل الرقابة لضمان أخلاقيات المهنة.وذلك من باب درء الشبهات وسد الذرائع لضمان استقلالية هيكل الرقابة. فمن الناحية القانونية قد يصعب اثبات التجاوزات أو استغلال نفوذ ،لذلك بالتوازي مع التحاجير القانونية يجب أن تكون هناك مدونة سلوك تفرض قيم ومعايير وسلوكيات معينة لابد من درئها.
التصدى للتجاوزات
وبشأن مراقبة من هم في مواقع القرار اليوم من وزراء ومديرين عامين للحد من ممارسات سابقة كاستغلال النفوذ لخدمة مصالح شخصية وفئوية على حساب المصلحة العامة ،يشير رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية إلى وجود تجاوزات لكن ليست بالشكل الذي قد يتصوره البعض. "فقد نجد بعض المسؤولين يستعملون السيارة الإدارية ويحصلون على المنحة الكلومترية و نجد تجاوزات في الصفقات العمومية... لكن هناك تجاوزات أخرى من باب المحاباة والتي تعفي المقربين من السلطة من الرقابة الجبائية ومن أي نوع من الرقابة ..ونحن اليوم ديمقراطية ناشئة ويجب أن نعمل على التصدي لهذه الأشكال من التجاوزات.."