تم بمقتضى الأمر عدد 2939 لسنة 2000 المؤرخ في 25 ديسمبر 2000 إحداث وحدة تصرف حسب الأهداف لانجاز مشروع ملاءمة الموارد البشرية للحاجيات الحقيقية لمصالح الدولة والمؤسسات العمومية وقد حددت فترة انجاز هذا المشروع بثلاث سنوات ثم وبمقتضى الأمر عدد 2492 لسنة 2003 المؤرخ في 09 ديسمبر 2003 والذي نقح الأمر عدد 2939 لسنة 2000 المؤرخ في 25 ديسمبر وقع تمديد مدة انجاز عمل الوحدة بثلاث سنوات إضافية، كذلك التمديد في مدة إنجاز مشروع ملاءمة الموارد البشرية للحاجيات الحقيقية لمصالح الدولة والمؤسسات العمومية بسنة إضافية. و قد جاء تركيز هذه الوحدة في صلب إطار عام تزامن مع تطورات هيكلية وظيفية يشهدها القطاع العمومي بجميع تشكيلاته أبرزها إرساء سياسة تعتمد على التصرف حسب الأهداف أو حسب النتائج والتي وقع تسويقها «كقطع» مع حقبة من التصرف «الارتجالي» للشؤون العمومية. فهذه السياسة الجديدة من التصرف عمادها الأساسي هو عقلنة التصور و التكيف مع مجموع المعطيات الداخلية و الخارجية التي تحيط بالهيكل الإداري مع التركيز على ضرورة رسم سياسة من التخطيط الإستراتيجي على مستوى الأهداف. أن تعيق تركيز تصرف أمثل أساسه حسب الأهداف (1) والثاني يتعلق بإعداد جدول توظيف الأعوان حسب الحالة الراهنة (2). (1) تشخيص الإشكاليات الراهنة: لقد ارتبط نظام التوظيف العمومي بعدة معطيات تمثل انعكاسا لمقومات الاقتصاد المغلق و الذي أنتج نظام توظيف يصطبغ بطابع «بيروقراطي» أثر في مردودية الموارد البشرية إضافة إلى قطاع الوظيفة العمومية لعقود عدة من تطبيق لجملة من المعايير والأساليب ذات الصبغة الغير موضوعية والتي كان لها الأثر السلبي في إعاقة التصرف الأمثل في الموارد البشرية وحالت دون إيجاد مردودية للعمل الإداري بصفة عامة ويمكن تلخيص الإشكاليات في النقاط التالية: (أ – 1 ) سوء توزيع الموارد البشرية: يتجلى سوء توزيع الموارد البشرية في القطاع العمومي حسب ما يتضح من خلال وضعية التوظيف الراهنة في ذلك التباين الموجود صلب الهيكل الإداري الواحد حيث يتضح من خلال توزيع الموارد البشرية ما بين المصالح المنتمية لنفس الهيكل الإداري ففي بعض الحالات يوجد عدد كبير من الأعوان بمختلف الأصناف وفي البعض الآخر يوجد مشكل نقص الموارد. بالرغم من أنه كثيرا ما لا يرتبط توزيع الأعوان بمدى حجم الخدمات المسداة من قبل المصلحة. ويتكرر نفس الإشكال بالنسبة للمصالح الإدارية الخارجية فالبعض منها يستقطب عددا لا بأس به من الموارد البشرية وفي المقابل توجد مصالح إدارية توازيها في التنظيم الهيكلي والوظيفي لكن لا تستقطب نفس الحجم من المستوظفين. وإلى جانب هذا التفاوت الملاحظ بين الهياكل فيما يخص توزيع الأعوان والذي يدل على اعتماد الارتجال في التقسيم دون أخذ بعين الاعتبار لمعايير موضوعية كنوعية الهيكلة وحجم المهام والامتداد الجغرافي. (ب – 1 ) عدم التطابق ما بين الرتبة و المهام : لقد بين نظام التوظيف الحالي وجود حالات عدة من عدم التطابق ما بين الرتبة والمهام فأحيانا تسند مهام التصور والتقييم إلى أعوان من رتب عادية ريثما تسند أعمال التنفيذ العادية إلى الإطارات السامية والتي كان من المفروض إسنادها مهام التصور. وكثيرا ما تنتج هذه الوضعية عن عدة اعتبارات مرتبطة بشخص المسؤول الإداري عن توزيع الأعوان وأساليبه في تسيير الإدارة والتي قد يسمح من خلالها لنفسه بأن يميز بعض الموظفين بقطع النظر عن رتبهم وأصنافهم على حسب البعض الآخر. كما أن آليات التعيين من مذكرات داخلية أو مقررات تعيينية وما تسمح وتصطبغ به من صمت و عمومية حول تحديد المهام المستقبلية الموكولة للمنتدب بإعطاء سلطة تقديرية كبيرة للمسؤول الإداري في مجال توزيع الموارد حسب المهام. بما أنه في بعض الأحيان يكون وضع المعين الجديد في سلم الرتب يعلو وضع المسؤول المباشر عنه والذي وضع تحت إمرته خاصة أن سياسة التوظيف الراهن بالقطاع العمومي تأخذ بفكرة «الخطة تفوق الرتبة». وقد أثبتت التجربة أنه في معظم هذه الوضعيات تكون هناك «خشية» ذات طابع شخصي من قبل المسؤول الإداري تجاه المنتدب الجديد الذي يفوقه رتبة وقد يسعى بالتالي إلى «تهميشه» بإسناده مهام لا تتطابق مع رتبته وفي المقابل إسناد المهام التي كان من المفروض أن تكون من اختصاصه كتلك المتعلقة بالتصور والتقييم الإداري إلى أعوان إداريين أقل رتبة كان من المفروض أن يكونوا أعوان تنفيذ فقط. (ج – 1 ) ضعف الأداء: لقد أثبتت تجربة عدة عقود من الزمن بأن الإدارة العمومية تعاني من عدة صعوبات أبرزها ضعف الأداء الحاصل لدى أغلبية الأعوان والناتج عن عدة أسباب منها شعور الموظف على نفس المهام المهنية التي أسندت له منذ انتدابه و يعتمد نفس الأساليب المنهجية في أدائها. ويتدعم ضعف الأداء بالإضافة إلى هذه الأسباب مع شبه غياب المراقبة والتأطير الدوري في معظم المصالح الإدارية العمومية الشيء الذي يجعل من الموظف يشعر بأنه في حل من أي رقابة دورية لأدائه. كما أن التجربة أثبتت أن الآليات الموجودة لتقييم الأداء المهني لدى الموظفين أصبحت في مجملها غير موضوعية كتلك الأساليب المتعلقة بإسناد الأعداد المهنية على أساس المردودية والتي تسند في غالب الأحيان على أساس اعتبارات تخلو من كل موضوعية كأن يعاد إسناد عدد السنة السابقة بالنسبة للسنة الحالية بصفة تلقائية خاصة وأنه أحيانا وفي صورة التنقيص من العدد السابق يدعى المسؤول إلى تقديم التعليل وكأن مردود العون ثابت كما أن التجربة أثبتت أن المسؤول عن إسناد الأعداد لا يكون مطلعا عن كثب عن مرد ودية العون كما أن ضعف الأداء المهني قد يعزى إلى عدم وجود تلاقي بين الهياكل الإدارية ومدارس التكوين من ناحية والجامعة المصدر الأساسي لإنتاج الموظفين. فالمتخرج المتوجه لقطاع الوظيفة العمومية سيكون على إثر مباشرته أمام إشكال الهوة الكبيرة الموجودة ما بين ما تلقاه من نظرية ذات بعد أكاديمي حول أساليب العمل الإداري والأساليب المتعمدة في إنجاز المهام الإدارية الشيء الذي سيؤثر على أدائه ويدخل عليه الكثير من السلبية. ( د - 1 ) إفتقاد المهارات: يقصد بالمهارات مجموع الكفاءات الإضافية التي يمكن أن يمتلكها الموظف من خلال مجهوده الشخصي في مجال التكوين والإطلاع أو من خلال مشاركته الفعلية في حلقات التكوين الدوري أو المستمر المنظم من قبل الإدارة. وقد بينت التجربة عزوف أغلبية الموظفين خاصة ذوي الرتب المتوسطة عن السعي إلى الاكتساب الفردي للمهارات التي من شأنها أن تحسن في مردودية الأداء المهني، والاكتفاء في المقابل بالمشاركة «الصورية» في بعض الحلقات التكوينية العرضية المنظمة من قبل الإدارة والتي تفقد معناها في المجال التطبيقي خاصة مع عدم وجود المتابعة الفعلية (من خلال إجراء عملية تقييم للفائدة الحاصلة للعون من هذا التكوين). وغالبا ما يكتفي أغلبية الموظفين بالمشاركة في حلقات التكوين المستمر المنظمة من طرف المدرسة القومية للإدارة أو من مدارس التكوين القطاعية وهي حلقات عامة والغاية الأساسية للمشاركة فيها ترمي إلى الارتقاء في الرتبة وليس تطوير المهارات المهنية فالمصلحة الشخصية هنا تطغى على المصلحة العامة . كما أن افتقاد المهارات في الوظيفة العمومية قد يعزى إلى عدم وضع مخططات تكوينية ذات بعد استراتيجي يقع تشريك عدة أطراف مهنية في تصورها ووضعها (كالنقابات والوداديات والخبراء في مجال التكوين). وتجدر الإشارة إلى انه أمام تنامي المكاتب الخاصة المتدخلة في مجال التكوين المهني من خلال ما تقوم به من تنظيم حلقات متخصصة في مواضيع لها صلة بالنشاط الإداري وينشطها مختصون يشهد لهم بالكفاءة ولكن تضل مشاركة الهياكل الإدارية في مثل هذه الحلقات دون المستوى لعدة أسباب منها عدم وجود علاقة شراكة مقننة تجمع الهياكل العمومية بمكاتب التكوين الخاصة وكذلك لارتفاع الكلفة المالية لهذه الحلقات والتي تجعل من الهياكل الإدارية خاصة تلك التي لا تخضع للصبغة التجارية و الصناعية غير قادرة على المشاركة. كما أن مجال التعاون الدولي الذي من شانه أن يمكن الموظفين من الاطلاع على تجارب مهنية للدول وبالتالي اكتساب مهارات مهنية إضافية شهد في السنوات الأخيرة تقليصها تزامنا مع سياسة التخفيض في النفقات العمومية لمواجهة الأزمة المالية الدولية الناتجة عن ارتفاع كلفة مصادر الطاقة. كما أن التجارب الماضية أثبتت أن مهمات التكوين بالخارج لا تمنح في غالب الأحيان بصفة موضوعية بل كنتيجة لمجموع معايير شخصية وهذا ما جعل البعض من هذه المهمات قد تسند إلى غير المختصين في موضوعها وقد تدعم هذا السلوك مع غياب آليات المراقبة والتقييم للفائدة الفعلية الحاصلة من المشاركة في المهنة التكوينية بالخارج لفترة زمنية طويلة. لكن وفي ما شهدته السنوات الأخيرة من تدعيم لشفافية إسناد المهمات بالخارج أصبح يشترط منذ سنة 2000 الحصول على موافقة الوزير الأول حول قيام المهمة وذلك بعد إدلاء الإدارة المعنية بتقرير معلل حول أهمية المهمة التكوينية بالخارج ومدى انعكاسها الايجابي على تحسين الخدمات الإدارية وعلى تنمية مهارات الموظف المعني كما أن المشارك في مثل هذه الحلقات أصبح مطالبا من قبل الإدارة بتقرير مفصل بعد إتمام المشاركة في المهمة التكوينية بالخارج يبين ما اطلع عليه من معارف وكيفية سعيه إلى توظيفها في مجال اختصاصه المهني. () متصرف مستشار للصحة العمومية أستاذ عرضي بجامعة جندوبة باحث بالمخبر الوطني للتنمية والثقافة والتكنولوجيات الحديثة