قيس سعيد: صراع المرجعيات صلب المجلس.. مسقط على الشعب صلاح الدين الجورشي: المعارضة لم تستفد من الانسحاب.. والائتلاف مطالب بتطويق القطيعة ما حصل أول أمس في المجلس التأسيسي حيث انسحب جزء من نوابه واضطر جزؤه المتبقي لمحاورة نفسه، صنفه البعض في خانة أول "تأزم" حقيقي يشهده المجلس منذ بداية أشغاله قبل اكثر من شهرين،. ورآه آخرون انطلاقة للتوثيق من هنا فصاعدا لهزات قادمة قد تحملها جلسات التأسيسي المقبلة على وتيرة الهزات السياسية والحزبية. وتطرح بذلك تساؤلات ومخاوف حول مصير المجلس والتوافق داخله في ظل تجاذبات الساحة السياسية وموجة الاستقطاب الثنائي التي تتسع دائرتها يوما بعد يوما. ومن يشاطرون فكرة بداية "التأزم" هذه، ينطلقون في حكمهم من "موجات التصعيد" المتتالية التي شهدها المشهد السياسي في الفترة الأخيرة، بداية من مبادرة الباجي قائد السبسي وما أثارته من ردود أفعال متباينة وصولا إلى "الصدام" الأخير بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل.. مرورا بموجات الغضب المتكررة حول أداء الحكومة على أكثر من صعيد داخليا وخارجيا واجتماعيا وسياسيا. ولعل أكثر الآراء "تطرفا" في الحكم على ما حصل في الجلسة الأخيرة للتأسيسي تصل حد اعتبار الحادثة جزءا من توجه عام، هدفه إسقاط الحكومة الحالية، وإذا كانت حكومة السيد حمادي الجبالي "تعتد" بشرعيتها المكتسبة من شرعية المجلس التأسيسي وخيار الشعب كما صرح بذلك وزير الخارجية الذي اعتبر الحكومة الحالية أقوى حكومة في تونس منذ الاستقلال، فإن فرضية الإسقاط المزعومة تفرض حتما محاولة هز صورة المجلس التأسيسي وتعطيله.
خيار المقاطعة
ومن يصنفون دوافع الانسحاب من جلسة الحوار في باب "الأجندات" السياسية، يستندون أيضا إلى أن توجه كتل المعارضة داخل المجلس مباشرة إلى الخيار الأقصى وهو الانسحاب فيه الكثير من عدم التوافق بين النتيجة و أسبابها .وكان بالإمكان إيجاد طرق احتجاج أخرى على مسألة تحديد وقت المداخلات، والابتعاد عن مقاطعة جلسة مساءلة للحكومة التي تحتاج الى معارضة قوية وفاعلة لإحراج هذه الأخيرة ونقد تعاملها وآدائها في الظروف الراهنة للبلاد المشحونة بالأزمات الاجتماعية ومخلفات الكوارث الطبيعية و تزايد الشعور بالإحباط وانسداد الأفق لدى السواد الأعظم من التونسيين. وبالتالي فإن خيار المقاطعة قد ترك صورة جد سلبية لدى المواطن وهو ما يتفق معه الإعلامي والحقوقي صلاح الدين الجورشي الذي يعتبر أن جلسة المجلس التأسيسي أول أمس لم تعط صورة إيجابية عن المجلس" والذين تابعوا تلك الجلسة ولاحظوا الفراغ الكبير الذي تركه انسحاب كتل المعارضة شعروا بقلق على مصير المجلس" ويضيف صلاح الدين الجورشي أنه يتوقع أن ما حدث جعل المعارضة دون شك تحس بأنها لم تستفد كثيرا من عملية الانسحاب وفي الآن ذاته فإن الائتلاف الحاكم قد شعر ولا شك بأن هناك حالة من القطيعة التي يجب تطويقها في المرحلة القادمة. ويضيف أنه لهذه الأسباب فأعضاء المجلس مدعوون وبإلحاح لأن تتم المناقشات القادمة وخاصة فيما يتعلق بمساءلة الحكومة، في أجواء إيجابية وأن تعطى للجميع فرصة للدخول في نقاش بناء وصريح وديمقراطي.
فرضية المؤامرة
في المقابل يستبعد الجورشي الربط بين انسحاب "الكتل" من الجلسة وفرضية إسقاط الحكومة ويقول" مع أن اسمي ذكر من بين الذين قيل أنهم يترددون على السفارات لإسقاط الحكومة الحالية، وأنا لم أزر أي مقر سفارة منذ وقت طويل، رغم ذلك أعتبر أن مجرد التفكير في إسقاط الحكومة لا ينسجم مع التداعيات التي يمكن أن تنجر عن مثل هذه الخطوة". ويضيف محدثنا أن الجميع مطالبون بمساعدة الحكومة لتتمكن من الوصول بتونس إلى نقطة صياغة الدستور وبالتالي الانتقال مباشرة إلى استكمال مقومات الشرعية. ومن ثم فان ففرضية "المؤامرة" لا تخدم الأجواء الحالية ولا تضمن انتقالا ديمقراطيا أقل كلفة. من جهة أخرى وفي قراءته لانسحاب المعارضة من المجلس يعتبر قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري أن ما حصل هو نتيجة طبيعية للاستقطاب الثنائي الذي سيطر على المشهد التونسي منذ شهر مارس من السنة الفارطة. حيث عاشت البلاد في ظل الاستقطاب المفتعل في أكثر من مناسبة وجاءت الانتخابات لتتوج بالفعل هذه المسيرة. ويرى قيس سعيد أن هذا التجاذب في المجلس لا يتعلق بالواقع ولا ببرامج الحكومة ولا بأدائها بل برفض جزء من الأعضاء المرجعية الفكرية التي تقوم عليها الأغلبية.
صراع المرجعيات
كما لا يتعلق الأمر بأغلبية أو أقلية أو تحالف ضد تحالف بل بمرجعية ضد مرجعية أخرى ولا وجود لحد أدنى من الوفاق بينهما. وحول المخاوف بشأن مصير المجلس التأسيسي في ظل هذه التجاذبات السياسية يعتبر قيس سعيد أن المصير السلبي للمجلس من الصعب التكهن به لكن من السهل القول أن ما يحصل من تشبث بالمرجعيات الإيديولوجية لن يؤدي إلى عمل ناجع لا من الحكومة ولا من المجلس التأسيسي لأنه صراع مسقط على الشعب.