بوادر تلك الازمة الخطيرة التي طفت على سطح المشهد الاجتماعي والسياسي في الاسابيع القليلة الماضية وكادت تعصف بعلاقة التكامل والاحترام المفترضة والضرورية بين «المركزية النقابية» وحكومة السيد حمادي الجبالي لم تكن في ذاتها هي الأبعث على الخوف والأدمى للقلب.. ف«لحظات» التوتر وحتى سوء الفهم احيانا بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومات التونسية المتعاقبة شكلت باستمرار وعلى امتداد الخمسة عقود الاخيرة «جزءا» من تاريخ العلاقة بين المنظمة الشغيلة ودولة الاستقلال.. ما كان يبدو مؤسفا حقيقة وأبعث على الألم والريبة هو تلك المواقف الحماسية المشبوهة التي «لعبت» من خلالها بعض الاطراف السياسية والشخصيات الوطنية ووسائل الاعلام دور النصير والظهير المطلق للمنظمة النقابية في هذا الخلاف حتى ليكاد يخيل للمرء بان «الاتحاد» وهو المنظمة النقابية الوطنية الأكبر والأقدم تاريخا ونضالا في تاريخ تونس المعاصر بات مهددا في وجوده وأنه بحاجة أكيدة الى مواقف «مساندة» استعراضية من هذا القبيل لكي يكسب «معركته» العرضية مع حكومة الجبالي.. نقول إن مثل هذه المواقف كانت هي الأبعث حقيقة على الخوف لأنها كانت تمثل «صبا للزيت على النار» بل قل كانت نوعا من أنواع اللعب بالنار مارسته بعض الاطراف من منطلق سياسوي ايديولوجي ضيق غير عائبة بالمصلحة الوطنية العليا.. اما وقد عاد بالأمس «حبل الود» وخيط الاتصال من جديد بين «الاتحاد» والحكومة بانعقاد الاجتماع الاول للجنة النقابية الحكومية المشتركة بعد تأجيل لم يتواصل طويلا فانه يصبح مطلوبا من كل من حكومة السيد حمادي الجبالي ومن «المركزية النقابية» أن يستخلصا الدرس مما جرى وأن يستفرغا الوسع مستقبلا من أجل أن تبقى «الخلافات» حول بعض المسائل والملفات في اطارها الحواري بعيدا عن أية مزايدات سياسية او نقابية وبعيدا أيضا عن أي شكل من اشكال التصعيد او الاستفزازات.. إن منظمة نقابية وطنية عريقة ومناضلة مثل الاتحاد العام التونسي للشغل لا يمكن منطقيا ان تكون في «صدام» مع حكومة منتخبة ديمقراطيا.. حكومة جاءت بها ثورة كرامة على الفساد والحيف الاجتماعي والتهميش والظلم والاستبداد.. اما اولئك الذين راهنوا ببؤس ايديولوجي مفضوح ومن منطلق حسابات ضيقة على تعميق هذا الخلاف وتأجيجه متسربلين، بل متنكرين في قناع الحمية النضالية والانتصار للاتحاد.. فما عليهم بدورهم الا أن يستخلصوا الدرس من ذلك الموقف العاقل الذي وقفه المناضل التاريخي السياسي المخضرم السيد أحمد بن صالح عندما نأى بنفسه وهو النقابي العريق عن مظاهر «المساندة» الاستعراضية للاتحاد وفضل ان يقود جهود مصالحة خيرة بين المركزية النقابية وحكومة السيد حمادي الجبالي يبدو انها آتت اكلها شأنها في ذلك شأن كل مجهود وطني مخلص..