- تستضيف بغداد نهاية شهر مارس الجاري القمة العربية التي أكدت معظم الدول نيتها المشاركة فيها بعد أن تلقت تطمينات أمنية كبيرة من السلطات العراقية التي لا زالت تعاني من موجات الإرهاب المتنقلة في شوارع مدن العراق والتي تحصد القتلى والجرحى من الأبرياء، كما تعاني حكومة العراق من تمزق وعدم انسجام في مكوناتها المتعددة المشارب وتأتي هذه القمة بمثابة حاجة ضروية للسلطات العراقية لكي تثبت للعالم مدى قدرتها على الإمساك بالأوضاع العامة، ومدى تمكنها من الخروج من أتون الأزمات بعد رحيل القوات الأمريكية في شهر ديسمبر الماضي . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن مدى قدرة القمة العربية على التحكم بمسار الأزمات العربية المختلفة رغم أن هناك من سيحضر لأول مرة القمة بوصفه زعيماً لدولته مثل تونس وليبيا واليمن ومصر، كما هناك من سيغيب قسراً عن القمة مثل الرئيس السوري بشار الأسد الذي ارتؤي عدم دعوته لكي لا تفشل القمة قبل أن تبدأ تداركاً لإحتمال اعتذار العديد من القادة العرب فيما لو ترأس الأسد وفد بلاده. والأزمة السورية لن تكون الوحيدة المطروحة على جدول أعمال أهل القمة بل هناك الوضع في ليبيا غير المستتب حيث التهديد بتقسيم البلاد لا زال قائماً نتيجة الخلاف بين أمراء الحرب ، والخلاف أيضاً بين القبائل والعشائر .. وهناك الأزمة التونسية حيث وجدالعلمانيون انفسهم خارج أي تمثيل في السلطة رغم أنهم أول من دفع ثمن التغيير. وأيضاً هناك اليمن وما يتردد من عدم اقتناع أطراف بالمعارضة بالرئيس الجديد لتضاف أزمتهم إلى الحراك الجنوبي المطالب بالإنفصال.. وهناك مصر وما تتخبط به من خلافات طائفية ومن مواجهات بين أطراف معارضة والعسكر في ظل تفاقم الوضع الإقتصادي إلى حد خطر إعلان الدولة إفلاسها ما لم تصلها مساعدات عاجلة . وإضافة الى أزمات هذه الدول هناك الأزمة البنيوية لجامعة الدول العربية نفسها التي لم يكن لها أي دور فاعل في التغيير الحاصل في العالم العربي والتي وجدت نفسها بحكم ضعفها مضطرة للإستنجاد بالأمم المتحدة وبمجلس الأمن ، والتي غالباً ما كانت العواصمالغربية تسبقها في إعلان المواقف لتعود هي بدورها إلى ترديد ما تم إعلانه. فجامعة الدول العربية تجتمع في بغداد دون أن يكون لديها عسكر لفض النزاعات ، ولا أموال لتقديم المساعدات ، ولا إدارة فاعلة لتأمين التواصل والإتصال ، ولا أجهزة إعلامية لنقل مرئياتها ، ولا قدرة تنفيذ ما أُتخذ سابقاً وما سيتخذ الآن من قرارات ، حتى لنظن أن أمين عام جامعة الدول العربية أشبه بمدير تشريفات في أي دائرة رسمية يهتم بقشوريات القمة دون الجوهر . وإذا تعمدنا تجاوز كل هذه الوقائع ، يبقى السؤال المطروح حول مدى قدرة العرب على التفاهم حول اولويات الأزمات التي تهددهم لطالما انه ما انعقد اجتماع إلا وكان الخلاف سيد الموقف ، وما صدر بيان عن الجامعة إلا وعادت أطراف من الجامعة لترفضه ،أو تتحفظ عليه ،أو تنتقده أو لتعتبر نفسها غير ملزمة به . وماذا ستفعل القمة العربية بالإنقسام الحاصل حالياً بين القوى الكبرى بشأن ما يجري في العالم العربي ، فهل ستؤيد الصين وروسيا أو أمريكا وأوروبا ؟. وهل الدول العربية قادرة على تحمل تبعات الإنحياز لهذا المعسكر أو ذاك ؟ . وطبعاً الإجابة أصعب من السؤال . وعليه ستنعقد القمة لإقرار بيان أعد سلفاً ، وستنتهي مفاعليه قبل أن يجف حبره لأن الأجندة الفعلية للدول العربية موجودة في مكان آخر غير بغداد.